سورة النصر
مدنية وآياتها ثلاث
بين يدي السورة
* سورة النصر مدنية، هي تتحدث عن " فتح مكة " الذي عز به المسلمون، وإنتشر الإسلام في الجزيرة العربية، وتقلمت أظافر الشرك والضلال، وبهذا الفتح المبين، دخل الناس في دين الله، وإرتفعت راية الإسلام، وإضمحلت ملة الأصنام، وكان الإخبار بفتح مكة قبل وقوعه، من أظهر الدلائل على صدق نبوته، عليه أفضل الصلاة والسلام.
التفسير :
[ إذا جاء نصر الله والفتح ] الخطاب لرسول الله (ص) يذكره ربه بالنعمة والفضل عليه وعلى سائر المؤمنين، والمعنى : إذا نصرك الله يا محمد على أعدائك، وفتح عليك مكة (أم القرى) والإخبار بفتح مكة قبل وقوعه، إخبار بالغيب، فهو من أعلام النبوة (( قال القرطبي :" إذا " بمعنى قد أي قد جاء نصر الله لأن نزولها بعد الفتح )).
[ ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ] أي ورأيت العرب يدخلون في الإسلام، جماعات جماعات، من غير حرب ولا قتال، لأنه بعد فتح مكة صارت العرب تأتي من أقطار الأرض طائعة، قال ابن كثير : إن أحياء العرب كانت تنتظر فتح مكة، يقولون : إن ظهر على قومه فهو نبي، فلما فتح الله عليه مكة، دخلوا في دين الله أفواجا، فلم تمض سنتان حتى استوثقت جزيرة العرب إيمانا، ولم يبق في سائر قبائل العرب إلا مظهر للإسلام
[ فسبح بحمد ربك ] أي فسبح ربك وعظمه بحمده على هذه النعم، وأشكره على ما أولاك من النصر على الأعداء، وفتح البلاد، وإسلام العباد
[ وإستغفره ] أي أطلب منه المغفرة لك ولأمنك
[ إنه كان توابا ] أي إنه جل وعلا كثير التوبة، عظيم الرحمة بعباده المؤمنين.
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البديع والبيان نوجزها فيما يلى :
١- ذكر الخاص بعد العام [ نصر الله والفتح ] نصر الله يشمل جميع الفتوحات فعطف عليه [ فتح مكة ] تعظيما لشأن هذا الفتح وإعتناء بأمره.
٢- إطلاق العموم وإرادة الخصوص [ ورأيت الناس ] لفظ الناس عام والمراد به العرب، سكان الجزيرة العربية.
٣- الإضافة للتشريف [ يدخلون في دين الله ] أضافه إليه تشريفا وتعظيما، كبيت الله، وناقة الله، لأنه الدين الحق.
٤- صيغة المبالغة [ إنه كان توابا ] لأن صيغة " فعال " للمبالغة.
تنبيه :
هذه السورة الكريمة فيها نعي النبي، ولهذا تسمى سورة " التوديع " وحين نزلت قال رسول الله (ص) لعائشة : ما أراه إلا حضور أجلي، وقال ابن عمر : نزلت هذه السورة بمنى في حجة الوداع، ثم نزلت [ اليوم أكملت لكم دينكم ] الآية فعاش بعدهما النبي، ثمانين يوما.
وفي هذه السورة الكريمة، إشارة إلى دنو أجل النبي (ص) فقد روى الإمام البخاري عن ابن عباس قال : كان عمر يدخلنى مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال : لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله ؟ فقال : إنه من علمتم ! ا فدعاني ذات يوم فأدخلني معهم - قال فما رأيت أنه دعاني إلا ليريهم - يعني مكانتي العلمية - فقال عمر : ما تقولون في قول الله تعالى [ إذا جاء نصر الله والفتح ] ؟ فقال بعضهم : أمرنا بأن نحمد الله ونستغفره، إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا، فقال لي : أكذا تقول يا ابن عباس ؟ قلت : لا، قال : فما تقول ؟ قلت : هو أجل رسول الله (ص)، أعلمه إياه، فقال [ إذا جاء نصر الله والفتح ] فذلك علامة أجلك [ فسبح بحمد ربك وإستغفره إنه كان توابا ] ققال عمر : والله ما أعلم منها إلا ما تقول.