[ لم يلد ] أي لم يتخذ ولدا، وليس له أبناء وبنات، فكما هو متصف بالكمالات، فإنه منزه عن النقائص، قال المفسرون : في الآية رد على كل من جعل لله ولدا. كاليهود في قولهم [ عزير ابن الله ] والنصارى في قولهم (المسيح ابن الله ] (( يعتقد النصارى بأن الإله ثلاثة أقانيم " الآب، والابن، وروح القدس " وهي عقيدة التثليث التى أشار إليها القرآن الكريم بقوله :﴿لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة، وما من إله إلا إله واحد﴾ الآية ويعتقدون بأن الثلاثة واحد، والواحد ثلاثة، والجنون فنون، ويزعمون أنهم موحدون، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا )) ومشركي العرب في زعمهم الكاذب أن [ الملائكة بنات الله ] فرد الله تعالى على الجميع، في أنه ليس له ولد، لأن الولد لابد أن يكون من جنس والده، والله تعالي أزلي قديم، ليى كمثله شىء، فلا يمكن أن يكون له ولد، ولأن الولد لا يكون إلا لمن له زوجة، والله تعالى ليس له زوجة، وإليه الإشارة بقوله تعالى [ بديع السموات والأرض أنى يكون لهولم تكن له صاحبة ] ؟
[ ولم يولد ] أي ولم يولد من أب ولا أم، لأن كل مولود حادث، والله تعالى قديم أزلي، فلا يصح أن يكون مولودا ولا أن يكون له والد، وقد نفت الآية عنه تعالى إحاطة النسب من جميع الجهات، فهو الأول الذي لا إبتداء لوجوده، القديم الذي كان ولم يكن معه شيء غيره
[ ولم يكن له كفوا أحد ] أي وليس له جل وعلا مثيل، ولا نظير، ولا شبية، أحد من خلقه، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا فى أفعاله [ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ] قال ابن كثير : هو مالك كل شيء وخالقه، فكيف يكون له من خلقه نظيز يساميه، أو قريب يدانيه ؟ تعالى وتقدس وتنزه، وفي الحديث القدسي (يقول الله عز وجل : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون على من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله : إتخذ الله ولدا، وأنا الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد).
البلاغه :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البديع والبيان نوجزها فيما يلي :
١- ذكر الإسم الجليل بضمير الشأن [ قل هو ] للتعظيم والتفخيم.
٢- تعريف الطرفين [ الله الصمد ] لإفادة التخصيص.
٣- الجناس الناقص [ لم يلد ] [ ولم يولد ] لتغير الشكل وبعض الحروف.
٤- التجريد فإن قوله تعالى [ قل هو الله أحد ] يقتضي نفي الكفء والولد، وقوله [ ولم يكن له كفوا أحد ] هو تخصيص الشىء بالذكر بعد دخوله في العموم، وذلك زيادة في الإيضاح والبيان.
٥-السجع المرصع وهو من المحسنات البديعية [ قل هو الله أحد٥الله الصمد ]
لطيفة :
هذه السورة الكريمة مؤلفة من أربع آيات، وقد جاءت في غاية الإيجاز والإعجاز، وأوضحت صفات الجلال والكمال، ونزهت الله جل وعلا عن صفات العجز والنقص، فقد أثبتت الآية الأولى الوحدانية ونفت التعدد [ قل هو الله أحد ] وأثبتت الثانية كماله تعالى ونفت النقص والعجز [ الله الصمد ] وأثبتت الثالثة أزليته وبقاءه ونفت الذرية والتناسل [ لم يلد ولم يولد ] وأثبتت الرابعة عظمته وجلالة ونفت الأنداد والأضداد [ ولم يكن له كفوا أحد ] فالسورة إثبات لصفات الجلال والكمال، وتنزيه للرب بأسمى صور التنزيه عن النقانص والقبائح.
فائدة :
روي عن النبي (ص) أنه قال :(من قرأ [ قل هو الله أحد ] فكأنما قرأ ثلث القرآن ) قال العلماء : وذلك لما تضمنته من المعاني والعلوم والمعارف، فإن علوم القرآن ثلاثة :" توحيد، وأحكام، وقصص " وقد إشتملت هذه السورة على التوحيد، فهي ثلث القرآن بهذا الإعتبار، وقيل : إن ذلك في الثواب أي لمن قرأها من الأجر مثل أجر من قرأ ثلث القرآن، والله أعلم.