[ إلا من آمن وعمل صالحا ] أي إلا المؤمن الصالح الذي ينفق ماله في سبيل الله، ويعلم ولده الخير، ويربيه على الصلاح، فإن هذا الذي يقرب من الله
[ فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا ] أي تضاعف حسناتهم، الحسنة بعشر أمثالها، وبأكثر إلى سبعمائة ضعف
[ وهم في الغرفات أمنون ] أي وهم في منازل الجنة العالية أمنون من كل عذاب ومكروه.. ولما ذكر جزاء المؤمنين، ذكر عقاب الكافرين، ليظهر التباين بين الجزاءين، فقال سبحانه :
[ والذين يسعون في آياتنا معاجزين ] أي يسعون في الدذ عن سبيل الله، ومنع الناس من الإيمان، معاندين لنا يظنون أنهم يفوتوننا بأنفسهم
[ أولئك في العذاب محضرون ] أي فهم مقيمون في العذاب، محضرون يوم القيامة للحساب
[ قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له ] أي قل يا محمد : إن ربي يوسع الرزق لمن يشاء من خلقه، ويقتر على من يشاء، فلا تغتروا بالأموال التي رزقكم الله إياها، قال في التسهيل : كررت الآية لإختلاف القصد، فإن القصد بالأول الكفار، والقصد هنا ترغيب المؤمنين بالإنفاق
[ وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ] أي وما أنفقتم في سبيل الله قليلا أو كثيرا، فإن الله تعالى يعوضه عليكم، إما عاجلا أو آجلا
[ وهو خير الرازقين ] أي هو تعالى خير المعطين، فإن عطاء غيره بحساب، وعطاؤه تعالى بغير حساب، قال المفسرون : لما بين أن الإيمان والعمل الصالح هو الذي يقرب العبد إلى ربه، ويكون مؤديا إلى تضعيف حسناته، بين أن نعيم الآخرة لا ينافي سعة الرزق في الدنيا، بل الصالحون قد يبسط الله لهم الرزق في الدنيا، مع ما لهم في الآخرة من الجزاء الأوفى، والمثوبة الحسنى بمقتضى الوعد الإلهى
[ ويوم يحشرهم جميعا ] أي واذكر يوم يحشر الله المشركين جميعا، من تقدم ومن تأخر للحساب والجزاء
[ ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ] ؟ الاستفهام للتقريع والتوبيخ للمشركين، أي أهؤلاء عبدوكم من دوني ؟ وهل أنتم أمرتموهم بذلك ؟ قال الزمخشري : هذا الكلام خطاب للملائكة وتقريع للكفار، وارد على المثل السائر " إياك أعنى واسمعي يا جارة " ونحوه قوله تعالى :[ أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ] ؟ وقد علم سبحانه أن الملائكة وعيسى، منزهون عما نسب إليهم، والغرض من السؤال والجواب أن يكون تقريع المشركين أشد، وخجلهم أعظم
[ قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم ] أي تعاليت وتقدست يا ربنا عن أن يكون معك إله، أنت ربنا ومعبودنا الذي نتولاه ونعبده، ونخلص له العبادة، ونحن نتبرأ إليك منهم
[ بل كانوا يعبدون الجن ] أي بل كانوا يعبدون الشياطين، لأنهم هم الذين زينوا لهم عبادة غير الله فأطاعوهم
[ أكثرهم بهم مؤمنون ] قال الطبري : أي أكثرهم بالجن مصدقون يزعمون أنهم بنات الله، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا قال تعالى ردا على مزاعم المشركين
[ فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ] أي ففي هذا اليوم - يوم الحساب - لا ينفع العابدون ولا المعبودون بعضهم لبعض، لا بشفاعة ونجاة، ولا بدفع عذاب وهلاك، قال أبو السعود : يخاطبون بذلك على رءوس الأشهاد، إظهارا لعجزهم وقصورهم عن نفع عابديهم، وإظهارا لخيبة رجائهم بالكلية، ونسبة عدم النفع والضر إلى البعض، للمبالغة في المقصود، كأن نفع الملائكة لعبدتهم في الاستحالة، كنفع العبدة لهم
[ ونقول للذين ظلموا ] أي ونقول للظالمين الذين عبدوا غير الله
[ ذوقوا عذاب النار الذى كنتم بها تكذبون ] أي ذوقوا عذاب جهنم التي كذبتم بها في الدنيا، فها أنتم قد وردتموها! ! ثم بين تعالى لونا آخر من كفرهم وضلالهم، فقال :