[ قل إن ربي يقذف بالحق ] أي يبين الحجة ويظهرها، قال ابن عباس : يقذف الباطل بالحق كقوله :[ بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ]
[ علام الغيوب ] أي هو تعالى الذي أحاط علما بجميع الغيوب التي غابت وخفيت عن الخلق
[ قل جاء الحق ] أي جاء نور الحق وسطع ضياؤه وهو الإسلام
[ وما يبدىء الباطل وما يعيد ] أي ذهب الباطل بالمرة، فليس له بدء ولا عود، قال الزمخشري : إذا هلك الإنسان لم يبق له إبداء ولا إعادة، فجعلوا قولهم : لا يبدىء ولا يعيد مثلا في الهلاك، والمعنى : جاء الحق وهلك الباطل كقوله تعالى [ وقل جاء الحق وزهق الباطل
[ قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي ] أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين إن حصل لي ضلال - كما زعمتم - فإن إثم ضلالي على نفسي، لا يضر غيري
[ وإن اهتديت فبما يوحي إلى ربي ] أي وإن اهتديت إلى الحق فبهداية الله بى توفيقه
[ إنه سميع قريب ] أي سميع لمن دعاه، قريب الإجابة لمن رجاه، قال ابو السعود : يعلم قول كل من المهتدي والضال وفعله، وإن بالغ في إخفائهما
[ ولو ترى إذ فزعوا ] أي ولو ترى يا محمد حال المشركين عند فزعهم، إذا خرجوا من قبورهم
[ فلا فوت ] أي فلا مخلص لهم ولا مهرب
[ وأخذوا من مكان قريب ] أي أخذوا من الموقف - أرض المحشر - إلى النار، وجواب [ لو ] محذوف تقديره : لرأيت أمرا عظيما وخطبا جسيما، ترتعد له الفرائص
[ وقالوا آمنا به ] أي وقالوا عندما عاينوا العذاب آمنا بالقرآن وبالرسول
[ وأنى لهم التناوش من مكان بعيد ] أي ومن أين لهم تناول الإيمان ؟ وهم الآن في الآخرة ؟ ومحل الإيمان في الدنيا، وقد ذهبت الدنيا فصارت منهم بمكان بعيد ؟ قال ابو حيان : مثل حالهم بحال من يريد أن يتناول الشيء من بعد، كما يتناوله الآخر من قرب
[ وقد كفروا به من قبل ] أي والحال أنهم قد كفروا بالقرآن وبالرسول، من قبل ذلك في الدنيا، فكيف يحصل لهم الإيمان بهما في الآخرة ؟
[ ويقذفون بالغيب من مكان بعيد ] أي يرمون بظنونهم في الأمور المغيبة فيقولون : لا بعث ولا حساب، ولا جنة ولا نار، قال القرطبي : والعرب تقول لكل من تكلم بما لا يعرف، هو يقذف ويرجم بالغيب، على جهة التمثيل لمن يرمي ولا يصيب
[ وحيل بينهم وبين ما يشتهون ] أي وحيل بينهم وبين الإيمان ودخول الجنان
[ كما فعل بأشياعهم من قبل ] أي كما فعل بأشباههم في الكفر من الأمم السابقة
[ إنهم كانوا في شك مريب ] أي كانوا في الدنيا في شك وارتياب، من أمر الحساب والعذاب، وقوله :[ مريب ] من باب التأكيد كقولهم عجب عجيب.
البلاغة :
تضمنت الآيات الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - الطباق بين [ يبسط.. ويقدر ] وبين [ نفعا.. وضرا ] وبين [ معنى.. وفرادى ].
٢ - المقابلة بين عاقبة الأبرار والفجار [ إلا من آمن وعمل صالحا.. ] وقوله [ والذين يسعون في آياتنا معاجزين ].
٣ - الالتفات من الغائب إلى المخاطب [ وما أموالكم ولا أولادكم ] والغرض المبالغة في تحقيق الحق، وتنبيه الغافلين إلى سبيل النجاة.
٤ - اسلوب التقريع والتوبيخ [ أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ] الخطاب للملائكة تقريعا للمشركين.
٥ - وضع الظاهر موضع الضمير لتسجيل جريمة الكفر عليهم [ وقال الذين كفروا للحق ] والأصل وقالوا.
٦ - الإيجاز بالحذف لدلالة السياق عليه [ وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ] حذف خبر الأول لدلالة الثاني عليه، أي ما أموالكم بالتي تقربكم ولا أولادكم بالذين يقربونكم عندنا.
٧ - الاستعارة اللطيفة [ بين يدى عذاب شديد ] استعار لفظ اليدين لما يكون من الأهوال والشدائد أمام الإنسان.
٨ - الكناية اللطيفة [ وها يبدىء الباطل وما يعيد ] كناية عن زهوق الباطل ومحو أثره.