[ ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا ] أي ولا يزيدهم كفرهم إلا هلاكا وضلالا، وخسران العمر الذي ما بعده شر وخسار!، قال أبو حيان : وفي الآية تنبيه على أنه تعالى استخلفهم بدل من كان قبلهم، فلم يتعظوا بحال من تقدمهم من المكذبين للرسل، وما حل بهم من الهلاك، ولا اعتبروا بمن كفر، ولا اتعظوا بمن تقدم، والمقت أشد الاحتقار والبغض، والخسار خسار العمر، كأن العمر رأس مال الإنسان، فإذا إنقضى في غير طاعة الله فقد خسره، واستعاض به بدل الربح، سخط الله وغضبه، بحيث صار إلى النار المؤبدة، ثم وبخ تعالى المشركين في عبادتهم ما لا يسمع ولا ينفع، فقال سبحانه :
[ قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله ] ؟، قال الزمخشري :[ أرأيتم ] معناها أخبروني كأنه قال : أخبروني عن هؤلاء الشركاء وعما استحقوا به الإلهية والشركة، ومعنى الآية : قل يا محمد تبكيتا لهؤلاء المشركين : أخبروني عن شأن الهتكم - الأوثان والأصنام - الذين عبدتموهم من دون الله، وأشركتموهم معه في العبادة، بأي شيء استحقوا هذه العبادة ؟
[ أروني ماذا خلقوا من الأرض ] أي أروني أي شيء خلقوه في هذه الدنيا من المخلوقات حتى عبدتموهم من دون الله ؟
[ أم لهم شرك في السموات ] أي أم شاركوا الله في خلق السموات فاستحقوا بذلك الشركة معه في الألوهية ؟
[ أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه ] أي أم أنزلنا عليهم كتابا ينطق بأنهم شركاء الله، فهم على بصيرة وحجة وبرهان في عبادة الأوثان ؟
[ بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا ] إضراب عن السابق وبيان للسبب الحقيقي، أي إنما أتخذوهم آلهة بتضليل الرؤساء للأتباع بقولهم : الأصنام تشفع لهم، وهو غرور باطل وزور، قال أبو السعود : لما نفى أنواع الحجج أضرب عنه بذكر ما حملهم عليه، وهو تغرير الأسلاف للأخلاف، وإضلال الرؤساء للأتباع بأنهم يشفعون لهم عند الله.. ثم ذكر تعالى لعباده دلائل قدرته ووحدانيته فقال :
[ إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ] أي هو جل وعلا بقدرته وبديع حكمته، يمنع السموات والأرض من الزوال، والسقوط، والوقوع كما قال تعالى :[ ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا باذنه ] قال القرطبي : لما بين أن آلهتهم لا تقدر على خلق شيء من السموات والأرض، بين أن خالقهما وممسكهما هو الله، فلا يوجد حادث إلا بإيجاده، ولا يبقى إلا ببقائه
[ ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ] أي ولئن زالتا عن اماكنهما - فرضا - ما أمسكهما أحد بعد الله، بمعنى أنه لا يستطيع أحد على إمساكهما، إنما هما قائمتان بقدرة الواحد القهار
[ إنه كان حليما غفورا ] أي إنه تعالى حليم، لا يعاجل العقوبة للكفار مع استحقاقهم لها، واسع المغفرة والرحمة لمن تاب منهم وأناب
[ وأقسموا بالله جهد أيمانهم ] أي حلف المشركون بالله أشد الأيمان وأبلغها، قال الصاوي : كانوا يحلفون بآبائهم وأصنامهم، فإذا أرادوا التأكيد والتشديد حلفوا بالله
[ لئن جاءهم نذير ] أي لئن جاءهم رسول منذر
[ ليكونن أهدى من إحدى الأمم ] أي ليكونن أهدى من جميع الأمم، الذين أرسل الله إليهم الرسل من أهل الكتاب، قال أبو السعود : بلغ قريشا قبل مبعث رسوال الله (ص) أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم فقالوا : لعن الله اليهود والنصارى، آتتهم الرسل فكذبوهم، فوالله لئن آتانا رسول لنكونن أهدى من اليهود والنصارى وغيرهم
[ فلما جاءهم نذير ] أي فلما جاءهم محمد (ص) أشرف المرسلين
[ ما زادهم الا نفورا ] أي ما زادهم مجيئه، إلا تباعدا عن الهدى والحق وهربا منه


الصفحة التالية
Icon