٣- وفي قوله للّه فن الاختصاص للدلالة على أن جميع المحامد مختصة به وكذلك بالإضافة في قوله مالك يوم الدين لزوال المالكين والأملاك عن سواه في ذلك اليوم.
٤- وفي هذه السورة فن الالتفات من لفظ الغيبة الى لفظ الخطاب ومن لفظ الخطاب الى لفظ الغيبة والغرض من هذا الفن التّطرية لنشاط الذهن جريا على أساليبهم، ولأنه لما أثنى على اللّه بما هو أهل له وأجرى عليه تلك الصفات العظيمة ساغ له أن يطلب الاستعانة منه بعد أن مهد لذلك بما يبرر المطالبة وهو، تعالى، خليق بالاستجابة، وللاشعار بأن اولى ما يلجأ اليه العباد لطلب ما يحتاجون اليه هو عبادته تعالى والاعتراف له بصفات الألوهية، البالغة،
وقال « صراط
إعراب القرآن وبيانه، ج ١، ص : ١٧
الذين أنعمت عليهم »
فأصرح الخطاب لما ذكر النّعمة ثم قال : غير المغضوب عليهم فزوى لفظ الغضب عنه تحنّنا ولطفا وهذا غاية ما يصل اليه البيان، وهذه مراتب الالتفات في هذه السورة :
آ- عدل عن الغيبة الى الخطاب بقوله : إياك نعبد وإياك نستعين بعد قوله : الحمد للّه رب العالمين لأن الحمد دون العبادة في المرتبة ألا تراك تحسد نظيرك ولا تعبده فلما كانت الحال بهذه المثابة استعمل لفظ الحمد لتوسطه مع الغيبة في الخبر ولم يقل الحمد لك.
ب- ولما صار الى العبادة وهي قصارى الطاعات قال :« إياك نعبد وإياك نستعين » فخاطب بالعبادة إصراحا بها، وتقرّبا منه عزّ وجلّ بالانتهاء الى عدد محدود منها.
ح- وعلى نحو من ذلك جاء آخر السّورة فقال :« صراط الذين أنعمت عليهم » فأصرح الخطاب لما ذكر النعمة ثم قال :« غير المغضوب عليهم عطفا على الأول، لأن الأول موضع التقرّب من اللّه بذكر نعمه وآلائه فلما صار إلى ذكر الغضب جاء باللفظ منحرفا عن ذكر الغاضب فأسند إليه النعمة لفظا وزوى عنه لفظ الغضب تحنّنا ولطفا.


الصفحة التالية
Icon