و قد مرت معنا في السابق طرفة الأصمعي، وهي ما ذكره أنه كان يقرأ يوما فقرأ :« و السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من اللّه واللّه غفور رحيم » وكان يسمعه أعرابي، فاعترضه وغلّطه، فراجع الأصمعي الآية، فإذا بها « و اللّه عزيز حكيم »، فقال للأعرابيّ : كيف عرفت ذلك؟ فقال : يا هذا عزّ فحكم فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع. فدهش الأصمعي وأفحم.
و خفي هذا السر على أبي حيان :
و قد خفي سر هذا الفن على أبي حيان- على جلالة قدره- فقال في « البحر » محاولا تعليل الاعتراض ما نصه :« و قال أبو بكر ابن الأنباري : وقد طعن على القرآن من قال : إن قوله :« فإنك أنت العزيز الحكيم » لا يناسب قوله :« و إن تغفر لهم » لأن المناسب « فإنك أنت الغفور الرحيم ». والجواب أنه لا يحتمل إلا ما أنزله اللّه تعالى، ومتى نقل إلى ما قال
و التفسير إنما يكون بجملة غير الأولى.
٣- والثالث أن يكون ما قبلها كلاما تاما لما ذكرناه من أنها وما بعدها جملة مفسرة جملة قبلها، ولذلك قالوا في قوله تعالى :
« أن الحمد للّه رب العالمين » أنّ « أن » فيه مخففة من الثقيلة، والمعنى :
أنه الحمد للّه، ولا يكون تفسيرا لأنه ليس ما قبلها جملة تامة، ألا ترى أنك لو وقفت على قوله :« و آخر دعواهم » لم يكن كلاما ».
قلت : ولهذا جنحنا الى ما اخترناه في إعرابها مصدرية تفاديا للوقوع في هذه المزالق.
٢- إذا وقعت « ما » قبل « ليس » أو « لم » أو « لا » أو بعد « إلّا » فهي موصولة، وإذا وقعت بعد كاف التشبيه فهي مصدرية، وإذا وقعت بعد الباء فهي تحتملهما، وإذا وقعت بين فعلين والأول علم أو دراية أو نظر احتملت الموصولية والاستفهامية.
٣- كل ما كان من أسماء الزمان مبهما لما مضى تجوز إضافته الى الجملة، فإن كان ما بعده مبنيا فالبناء على الفتح أرجح للتناسب، قال النابغة :
إعراب القرآن وبيانه، ج ٣، ص : ٥٩
على حين عاتبت المشيب على الصبا وقلت : ألمّا أصح والشيب وازع