و شي ء في موضع المصدر، أي : تفريطا شيئا، فحذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه، ثم زيدت « من »، قال : ولا يكون مفعولا به، لأنّ « فرط » إنما يتعدى إليه ب « في »، وقد عدّي بها الى الكتاب، قال : وعلى هذا فلا حجة في الآية لمن ظنّ أن الكتاب يحتوي على ذكر كل شي ء صريحا. والردّ على هؤلاء الظانّين بأن هذا لا يسلم إلا لو كان « من شي ء » مفعولا به لأن المعنى : ما فرطنا أي : ما تركنا شيئا في الكتاب، وأما لو جعل المفعول به « في الكتاب » وجعل قوله :
« من شي ء » مصدرا، أي : ما فرطنا في الكتاب فلا دلالة له على ذلك.
و زاد ابن هشام فقال :« و كذا لا حجة فيها لو كان « شي ء » مفعولا به، لأن المراد بالكتاب اللوح المحفوظ، كما في قوله تعالى :« و لا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين » وهو رأي الزمخشري، والسياق يقتضيه.
[سورة الأنعام (٦) : آية ٣٩]
وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٩)
الإعراب :
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ) الواو استئنافية، والكلام مستأنف مسوق لبيان مصير المكذبين. والذين مبتدأ، وجملة كذبوا صلة الموصول لا محل لها، وبآياتنا جار ومجرور متعلقان بكذبوا، وصم خبر، وبكم عطف على صم، وفي الظلمات جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر ثان، وقد وهم أبو البقاء فظنّ أنهما من باب « الرمان حلو حامض »، فجعل الكلمتين خبرا، وليس الأمر
إعراب القرآن وبيانه، ج ٣، ص : ١٠٨