و لا حبة في ظلمات الأرض »، ثم ألحق هذه الجزئيات بعد حصرها بالكليات حيث قال :« و لا رطب ولا يابس » لأن جميع المولّدات وعناصرها التي تولدت منها- ما كان منها في باطن الأرض وما خرج الى ظاهرها- لا يخرج عن هذين القسمين. وألغى ذكر المعتدل فإنه ممتزج من هذين القسمين. فاستغنى بذكر الأصل عن الفرع. ثم قال :« إلا في كتاب مبين » إشارة إلى أن علمه بذلك علم من معلومه مفيد في كتاب مبين. فهو يأمن الضلال والنسيان.
نماذج شعرية :
و قال أبو الطّيّب المتنبي رامقا هذه السّماء العالية من البيان :
هي الغرض الأقصى ورؤيتك المنى ومنزلك الدنيا وأنت الخلائق
إعراب القرآن وبيانه، ج ٣، ص : ١٣٣
فقد قصد تعظيم ممدوحه، فجعل منزلة الّذي هو الجزئي كلّيّا.
و هو الدنيا، وجعل ذاته التي هي جزئية كلية، وهي الخلائق، فجعل الجزئيّ كلّيّا. وأما حصر أقسام الجزئيّ فلان العالم إما حيوان بجسمه وعرضه، والمنزل شامل لهما، ومثله لأبي الفرج الببغا :
ما بأرض لم تبد فيها صباح ما بدار حللت فيها ظلام
و إذا ما أقمت في بلد فه ي جميع الدّنيا وأنت الأنام
فقد حصر جميع أقسام الجزئيّ بالطّريقة التي ذكرناها، وألحقه بالكليّ. وقال أبو الحسن السّلاميّ :
إليك طوى عرض البسيطة جاعل قصارى المطايا أن يلوح لها القصر
فكنت وعزمي والظّلام وصارمي ثلاثة أشباه كما اجتمع النسر
فسرت بآمالي لملك هو الورى ودار هي الدّنيا ويوم هو الدهر
و البيت الأخير هو المراد، فقد أراد الشاعر تعظيم ممدوحه، وتفخيم أمر داره التي قصده فيها، وتبجيل يومه الذي لقيه، فجعل الممدوح جميع الورى، وجعل داره التي قصده فيها كل الدنيا، وجعل
إعراب القرآن وبيانه، ج ٣، ص : ١٣٤