و قد عثرنا على رأي طريف للزجاج، ينقع الغليل. ولكنه مبتسر يحتاج إلى الإبانة والكشف، فقد قال الزجاج :« و المراد واللّه أعلم إلا ما شاء من زيادة العذاب ». بيد أنه- أي : الزجاج- لم يبيّن وجه استقامة الاستثناء، والمستثنى على هذا التأويل لم يغاير المستثنى منه في الحكم، والظاهر أن العذاب على درجات متباينة، ومراتب متفاوتة، ومقادير غير متناسبة، وكأن المراد أنهم مخلدون في حبس العذاب، إلا ما شاء ربك من زيادة تبلغ الغاية، وتربو على النهاية، حتى تكاد لبلوغها أقصى الغايات تعدّ خارجة عن العذاب، وكأنها ليست منه، ولا داخلة في حيّزه. والمعروف عن العرب في سنن كلامهم أنهم يعبرون عن الشي ء إذا بلغ الغاية بالضّدّ، فكأنّ هؤلاء المعذبين وقد طمّ عليهم البلاء، وبلغوا من الشدة غايتها، ومن اللأواء نهايتها، وقد وصلوا إلى المدى الذي يكاد يخرجه من العذاب المطلق، فساغت معاملته في التعبير بمعاملة المغاير، وهذه وثبة من الزجاج، لا نتبين فحواها إلا بهذا البسط الذي يحتاج فهمه إلى رهافة ذوق، وشفوف طبع، واللّه الموفّق.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٢٩ الى ١٣٠]
وَ كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٢٩) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (١٣٠)
إعراب القرآن وبيانه، ج ٣، ص : ٢٢٥
اللغة :
(نُوَلِّي) من الولاية، أي : الإمارة. يقال : ولّى فلانا الأمر تولية : جعله واليا عليه، وأصله من « ولي » بتخفيف اللام وكسرها، يلي ولاية بكسر الواو، وولاية بفتحها : الشي ء، وعليه : قام به وملك أمره، وولي البلد : تسلّط عليه.
الاعراب :


الصفحة التالية
Icon