ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْ ءٍ) الأصل في ثم أن تكون للترتيب مع المهلة والتراخي في الزمان، ومن ثم توقف المفسرون والنحاة في حقيقة العطف بها هنا، ولم أجد فيما قالوه مقنعا، وسأنقل ما قالوه أولا ثم أشير الى ما هو أولى بالأرجحية. فقال بعضهم : إن « ثمّ » تأتي للترتيب في الإخبار، كأن هذا القائل أراد تفادي سبق موسى عليه السلام في الزمان. وزعم الأخفش : أن « ثم » قد تتخلف عن التراخي، بدليل قولك : أعجبني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب. لأن « ثم » في ذلك لترتيب الإخبار ولا تراخي بين الإخبارين. وجعل ابن مالك من ذلك قوله تعالى :« ثم آتينا موسى الكتاب » وقال في المغني :« و الظاهر أن « ثمّ » واقعة موقع الفاء » وقد نصّ النحاة على أن « ثم » توضع موضع الفاء كقول أبي دواد جارية بن الحجاج :
كهزّ الرّدينيّ تحت العجاج جرى في الأنابيب ثم اضطرب
و قال الزّجّاج : هو معطوف على « أتل »، تقديره. أتل ما حرّم ثم أتل ما آتينا.
و قال الزمخشري :« فإن قلت : علام عطف قوله :« ثم آتينا موسى الكتاب » ؟ قلت : على « وصّاكم به ». فإن قلت : كيف صحّ عطفه عليه ب « ثم » والإيتاء قبل التوصية بزمن طويل؟ قلت : هذه التوصية قديمة، ولم تزل توصاها كل أمة على لسان نبيهم، فكأنه قيل :
ذلكم وصّيناكم به يا بني آدم قديما وحديثا، ثم أعظم من ذلك أنّا آتينا
إعراب القرآن وبيانه، ج ٣، ص : ٢٨١