و قد ذكرنا كثرة مجي ء ذلك في شرح التسهيل. وقد رجع الزمخشري عن هذا المذهب إلى مذهب الجماعة ».
تعقيب على كلام أبي حيان :
أقول : لا يخلو ردّ أبي حيان من تهافت، فقد تعقب عليه بأن أصل الواو العطف، ثم استعيرت لربط الحال بعاملها، كما أن الفاء أصلها العطف، ثم استعيرت لربط الجزاء بالشرط.
الفاء العاطفة :
الفاء للترتيب. وهو إما معنوي كما في :« قام زيد فعمرو » وهو أن يكون ما بعدها حاصلا بعد ما قبلها في الواقع. أو ذكريّ وهو عطف مفصّل على مجمل، نحو :« فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه ». وهو أن يكون ما بعدها حاصلا بعد ما قبلها في اللفظ فقط، وأما في الواقع فتارة يكون حاصلا معه في آن واحد أو قبل ما قبلها. وقال الفراء : إنها لا تفيد الترتيب مطلقا.
إعراب القرآن وبيانه، ج ٣، ص : ٣٠٣
و احتج بقوله تعالى :« أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون ».
و أجيب بأن المعنى : أردنا إهلاكها. ولا شك أن إرادة الإهلاك قبل مجي ء البأس، فيكون ترتيبا ذكريا إذ هو بيان لقوله :« أهلكناها » إذ هو مجمل. والحاصل أن الجمهور يقولون بإفادتها الترتيب مطلقا، والفراء يمنع ذلك مطلقا. وقال الجرمي : لا تفيد الترتيب في البقاع ولا في الأمصار، بدليل :« بين الدخول فحومل »، وقولهم :« مطرنا بنوء بمكان كذا » فمكان كذا إذا كان وقوع الأمطار فيهما واحدا.
عودة الضمير :
قد أعربوا المضاف إليه بإعراب المضاف، ولذلك عاد الضمير مؤنثا ومذكرا، والمراد : وكم من أهل قرية، ثم حذف المضاف الذي هو الأهل، وعاد الضمير على الأمرين، فأنّث في قوله :« فجاءها بأسنا » نظرا إلى التأنيث في اللفظ، وهو القرية. وذكّر في قوله :« أو هم قائلون » ملاحظة للمحذوف، فلما حذف المضاف أقيم المضاف إليه مقامه فباشره العامل فانتصب انتصاب المفعول به، وإن لم يكن إياه في الحقيقة كذلك أعطوه حكمه في غير الإعراب من التأنيث والتذكير، فمن ذلك قول حسان بن ثابت :