أ- أن « لا » ناهية، وهو نهي بعد أمر، أي : إنه كلام منقطع عما قبله، كقولك : صلّ الصبح ولا تضرب زيدا، فالأصل : اتقوا فتنة، أي : عذابا، ثم قيل : لا تتعرضوا للفتنة فتصيب الذين... إلخ، وعلى هذا فالاصابة بالمتعرضين. وتوكيد الفعل بالنون واضح لاقترانه بحرف الطلب، مثل :« و لا تحسبنّ اللّه غافلا »، ولكن وقوع الطلب صفة للنكرة ممتنع، فوجب إضمار القول، أي : واتقوا فتنة مقولا فيها ذلك، كما قيل في قوله :
إعراب القرآن وبيانه، ج ٣، ص : ٥٥٥
حتى إذا جن الظلام واختلط جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط
ب- أنها نافية، واختلف القائلون بذلك على قولين : أحدهما أن الجملة صفة لفتنة، ولا حاجة إلى إضمار قول، لأن الجملة خبرية.
فلا الجارة الدنيا بها تلحينّها ولا الضيف فيها إن أناخ محوّل
بل هو في الآية أسهل، لعدم الفصل، وهو فيهما سماعي. والذي جوزه تشبيه لا النافية بلا الناهية، وعلى هذا الوجه تكون الاصابة عامة للظالم وغيره لا خاصة بالظالمين، كما ذكره الزمخشري، لأنها قد وصفت بأنها لا تصيب الظالمين، خاصة، فكيف تكون مع هذا خاصة بهم! والثاني أن الفعل جواب الأمر، وعلى هذا فيكون التوكيد أيضا خارجا عن القياس وشاذا. وممن ذكر هذا الوجه الزمخشري، وهو فاسد، لأن المعنى حينئذ : فإنكم إن تتقوها لا تصب الظالم خاصة. وقوله : إن التقدير :
إن أصابتكم لا تصيب الظالم خاصة، مردود، لأن الشرط إنما يقدر من جنس الأمر، لا من جنس الجواب.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٢٧ الى ٢٩]