و اعلموا عطف على مقدم، وأنما كافة ومكفوفة، وقد سدت مسد مفعولي اعلموا، ولذلك فتحت همزتها، وسيأتي بحث فتح همزة إن وكسرها في باب الفوائد، وأموالكم مبتدأ، وأولادكم عطف على « أموالكم »، وفتنة خبر، وجعل الأموال والأولاد فتنة لأنهم سبب الوقوع في الفتنة، وهي الإثم والعذاب، أو محنة وابتلاء من اللّه ليسبر، غوركم، ويكتنه حقيقتكم،
إعراب القرآن وبيانه، ج ٣، ص : ٥٥٧
فما عليكم- والأمر بهذه المثابة- إلا توطين النفس على الإخلاص والتزهد في زخارف الدنيا، وعدم الاغترار بأباطيلها وأفاويقها، وأن اللّه عطف على أنما أموالكم وأولادكم، وأن واسمها، وعنده الظرف خبر مقدم، وأجر مبتدأ مؤخر، والجملة خبر « أن »، وفي هذا صارف لكم عن حب الدنيا وإيثارها على ما عند اللّه، وهو خير وأبقى. وفي هذا كله حث على اكتساب الأجر، وحسن الأحدوثة، وخلود الذكر.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) إن شرطية، وتتقوا فعل الشرط، ولكم جار ومجرور متعلقان بيجعل، وفرقانا مفعول به، أي : نصرا يفرق بين الحق والباطل، وبين الكفر بإذلال مشايعيه، والإسلام بتعزيز مناجديه، أو منجاة من الشبهات التي تزيغ فيها الضمائر، وتضل الأفهام، وتعشو النواظر عن رؤية الحق.
هذا وقد اختلف في « الفرقان » هنا، فقال بعضهم : هو ما يفرق به بين الحق والباطل، والمعنى أنه يجعل لهم من ثبات القلوب، وثقوب البصائر، وحسن الهداية، ما يفرقون به بينهما عند الالتباس. وقيل :
الفرقان المخرج من الشبهات، والنجاة من كل ما يخافونه، ومنه قول الشاعر :
مالك من طول الأسى فرقان بعد قطين رحلوا وبانوا
و منه قول الآخر :
و كيف أرجّي الخلّ والموت طالبي ومالي من كأس المنية فرقان
إعراب القرآن وبيانه، ج ٣، ص : ٥٥٨
و قال الفرّاء : المراد بالفرقان : الفتح والنصر. وقال ابن اسحق :


الصفحة التالية
Icon