و المعنى : وكيف لا يعذبون، وأي شي ء ثبت واستقر لهم في أن لا يعذبوا، أي : ليس ثمة ما يمنع من حيلولة عذابه بهم (وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) الواو للحال، وجملة هم يصدون حالية، والمعنى وكيف لا يعذبون وحالهم أنهم يصدون عن المسجد الحرام كما صدوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عام الحديبية (وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ) الواو عاطفة أو حالية، وكانوا أولياءه كان واسمها وخبرها (إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ) إن نافية، وأولياءه مبتدأ، وإلا أداة حصر، والمتقون خبر « أولياؤه » (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) لكن واسمها، والجملة خبرها، والواو حالية أو استئنافية.
البلاغة :
في قوله تعالى « و ما كان اللّه ليعذبهم وأنت فيهم » إلخ فن عجيب يسمى « فن التنكيت ». وحدّه أن يقصد المتكلم الى شي ء بالذكر دون غيره مما يسد مسده، لأجل نكتة في المذكور ترجح مجيئه على سواه، فإن لقائل أن يقول : ما النكتة التي رجحت اختلاف الصيغتين من الفعل وهو « يعذبهم »، واسم الفاعل وهو « معذبهم » على اتفاقهما، مع اتفاق زمانيهما، فإن مدة مقام الرسول صلى اللّه عليه وسلم في المخاطبين منقسمة على الحال والاستقبال، وكذلك مدة الاستغفار، وهل يجوز مجي ء كل واحدة من الصيغتين في مجاز الأخرى أم لا يجوز إلا ما جاء به الرسل؟ أو هل يجوز الاقتصار على الفعل الدال على الزمانين دون اسم الفاعل أم لا؟ والجواب أن معرفة النكتة رجحت مجي ء الكلام على ما جاء عليه بحيث لا يجوز غيره أن المخاطبين به هم المنافقون الذين لم يؤذن النبي صلى اللّه عليه وسلم في إمهالهم مدة مقامه
إعراب القرآن وبيانه، ج ٣، ص : ٥٧١


الصفحة التالية
Icon