٣- ونكتة ثالثة تربو على جميع ما تقدم وهي في التذييل الذي أخرجه مخرج المثل السائر حيث قال في الحكاية عنها : وهل يخفى القمر ولا يحسب أحد أن الصغرى مالت إليه لغرارتها وضعف عقلها وتقاصره عن التمييز وقلة التجربة، ذلك أنه أخبر عن الكبرى أنها ما كانت تعرفه وقد راقها وشغفها حبا حين رأته حتى لم تتمالك عن التساؤل عنه، أو أنها عارفة به وإنما سألت عنه تغطية لأمرها وتعمية فيه من باب تجاهل العارف، إما إظهارا لفرط التّولّه والتّدلّه في الحب أو لأنها كانت تنتظر أن تجاب باسمه فتلتذ بسمعه، أما الوسطى فقد صرحت باسمه لأن منزلتها في رجاحة العقل وحصافته ورصانة اللب ونزاهته دون منزلة الكبرى فلما سترت الكبرى نفسها بالسؤال عنه لما يقتضيه عقلها صرحت الوسطى باسمه ومعرفته بالنسبة وأبانت الصغرى عما في نفسها منه بوصفها له بصفة تدل على عظم مكانته من قلبها لمكان سنها من الأختين وهذا من عجائب ما يسمع في هذا الباب ولا نحب أن نختم بحث هذا الفن قبل أن نورد بعض الشواهد فمن شواهده قول ديك الجن واسمه عبد السلام بن رغبان :
إعراب القرآن وبيانه، ج ١، ص : ١٨٢
مرّت فقلت لها : تحية مغرم ماذا عليك من السلام؟ فسلمي
قالت : بمن تعني؟ فطرفك شاهد بنحول جسم قلت : بالمتكلّم
فتضاحكت، فبكيت قالت : لا ترع فلربّ مثل هواك بالمتبسّم
قلت : اتفقنا في الهوى فزيارة أو موعدا قبل الزيارة قدّمي
فتبسمت خجلا وقالت : يا فتى لو لم أدعك تنام بي لم تحلم
و للبحتري واسمه الوليد :
و نديم حلو الشمائل كالد ينار محض النّجار عذب المصفّى
بتّ أسقيه صفوة الرّاح حتى وضع الكأس مائلا يتكفّا
قلت : عبد العزيز تفديك نفسي قال : لبيك قلت : لبيك ألفا
إعراب القرآن وبيانه، ج ١، ص : ١٨٣
هاكها قال : هاتها قلت : خذها قال : لا أستطيعها ثمّ أغفى
و حسبنا ما تقدم.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٢٥]


الصفحة التالية
Icon