المخالفة والفرق بين الألفاظ في قوله تعالى :« و لا تعجبك أموالهم وأولادهم » إلخ وفي الآية التي سبق ذكرها وهي « فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد اللّه ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون » فأما سر التكرار والحكمة فيه فهو أن تجدد النزول له شأن في تقرير ما نزل أولا وتأكيده، كأنما يريد أن يكون المخاطب به على بال ولا يغفل عنه ولا ينساه، وأن يعتقد أن العمل به مهم وإن أعيد
إعراب القرآن وبيانه، ج ٤، ص : ١٤٧
هذا المعنى لقوته فيما يجب أن يحذر منه، وهو أن أشد الأشياء جذبا للقلوب واستهواء لها هو الاشتغال بالأموال والأولاد، وما كان بهذه المثابة من التغرير والإغواء يجب التحذير منه مرة بعد مرة، وأما سر سر المخالفة والفرق بين بعض ألفاظ الآيتين فنبين وجهه فيما يلي :
١- قال تعالى في الآية الأولى « فلا تعجبك » بالفاء وقال هنا :
« و لا تعجبك » بالواو، والفرق بينهما أنه عطف الآية الأولى على قوله :« و لا ينفقون إلا وهم كارهون » وصفهم بكونهم كارهين للإنفاق لشدة المحبة للأموال والأولاد فحسن العطف عليه بالفاء تعقيبا وترتيبا، وأما هذه الآية فلا تعلق لها بما قبلها فلهذا أتى بالواو.
٢- وقال تعالى في الآية الأولى :« فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم » وأسقط حرف لا في الثانية فقال « و أولادهم » والسبب أن حرف لا دخل هناك لزيادة التأكيد فيدل على أنهم كانوا معجبين بكثرة الأموال والأولاد وإعجابهم بأولادهم أكثر وفي إسقاط حرف لا هنا دليل على أنه لا تفاوت بين الأمرين.
٣- وقال تعالى في الآية الأولى :« إنما يريد اللّه ليعذبهم » بحرف اللام وقال هنا :« أن يعذبهم » بحرف أن والفائدة فيه التنبيه على أن التعليل في أحكام اللّه محال وإنه وإن ورد فيه حرف اللام فمعناه « أن » كقوله :« و ما أمروا إلا ليعبدوا اللّه » فإن معناه : وما أمروا إلا بأن يعبدوا اللّه.


الصفحة التالية
Icon