و الفن الخامس في هذه الآية هو الاحتراس وتعريفه أن يأتي المتكلم بمعنى يتوجه عليه فيه دخل فيفطن لذلك حال العمل فيأتي في أصل الكلام بما يخلصه من ذلك، ومن أمثلته قوله تعالى فيها :« و قيل بعدا للقوم الظالمين » فإنه سبحانه لما أخبر بهلاك من هلك بالطوفان أعقبه بالدعاء على الهالكين ووصفهم بالظلم ليعلم أن جميع من هلك كان مستحقا للعذاب مستأهلا له احتراسا من ضعيف يتوهم أن الهلاك بعمومه قد شمل من لا يستحق العذاب فلما دعا على الهالكين علم أن كل من هلك كان مستحقا للهلاك لأنه قد ثبت بالبرهان أنه عادل فلا يدعو إلا على من يستحق الدعاء ووصفهم بعد الدعاء عليهم بالظلم فإن لم يكونوا ظالمين فقد دخل خبره الخلف وخبره منزه عن ذلك فوقع هذا الدعاء وهذا الوصف احتراسا من ذلك الذي قدر توهمه والاحتراس يبدو جملا في الشعر ومنه قول طرفة المشهور :
فسقى ديارك غير مفسدها صوب الربيع وديمة تهمي
فقوله « غير مفسدها » احتراس من محو معالمها وطمس آثارها وقد جنح أبو الطيب اليه كثيرا فقال :
و يحتقر الدنيا احتقار مجرب يرى كل ما فيها، وحاشاك، فانيا
فقوله « و حاشاك » احتراس من دخوله في كل من فيها.
إعراب القرآن وبيانه، ج ٤، ص : ٣٦٤
و قوله أيضا :
إذا خلت منك حمص لا خلت أبدا فلا سقاها من الوسمي باكره
فقوله « لا خلت أبدا » احتراس من توهم الدعاء عليه.
٦- حسن النسق :


الصفحة التالية
Icon