هذا ولا خلاف في أن يوسف عليه السلام لم يأت بالفاحشة وإنما الخلاف في وقوع الهم منه فمن المفسرين من ذهب الى أنه همّ وقصد الفاحشة وأتى ببعض مقدماتها ولقد أفرط صاحب الكشاف في التشنيع على هؤلاء فارجع اليه. ومنهم من نزهه عن الهمّ أيضا وهو الصحيح كما تقدم في عبارة أبي حيان وللامام الرازي في تفسيره الكبير نكتة لا بأس بإيرادها قال :« إن الذين لهم تعلق بهذه الواقعة هم يوسف عليه السلام والمرأة وزوجها والنسوة والشهود ورب العالمين وإبليس وكلهم قالوا ببراءة يوسف عليه السلام عن الذنب فلم يبق لمسلم توقف في هذا الباب : أما يوسف فلقوله : هي راودتني عن نفسي وقوله رب السجن أحب إلي مما يدعونني اليه، وإما المرأة فلقولها ولقد راودته عن نفسه وأما زوجها فلقوله : انه من كيدكن ان كيدكن عظيم، وأما النسوة فلقولهن : امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين، وقولهن حاشا للّه ما علمنا عليه من سوء وأما
إعراب القرآن وبيانه، ج ٤، ص : ٤٧٢
الشهود فلقوله تعالى وشهد شاهد من أهلها الى آخره وأما شهادة اللّه تعالى فقوله عز من قائل :« كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين »
وأما إقرار إبليس بذلك فلقوله فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين فأقر إبليس بأنه لا يمكن إغواء العباد المخلصين وقد قال تعالى انه من عبادنا المخلصين فقد أقر إبليس أنه لم يغوه وعند هذا نقول : هؤلاء الجهال الذين نسبوا الى يوسف عليه السلام الفضيحة إن كانوا من أتباع دين اللّه فليقبلوا شهادة اللّه بطهارته وان كانوا من أتباع إبليس وجنوده فليقبلوا إقرار إبليس لطهارته.


الصفحة التالية
Icon