و ثانيها : ان هذا التفسير يتنافى مع قول اللّه تعالى في الآية الثالثة والثلاثين من سورة الزخرف « و لو لا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون، ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون، وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين » إذن فالسعة في الرزق لا تدل على رضا اللّه كما أن الضيق لا يشعر بغضبه لأنه لا يجزي الشاكرين
إعراب القرآن وبيانه، ج ٥، ص : ٩٥
بالذهب والفضة ولا يعاقب العاصين بالحرمان منهما بل الأمر بالعكس فقد جاء في القرآن الكريم أن اللّه يعاقب الجاحدين بكثرة الأموال « فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد اللّه ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون ».
و ثالثها : انه متناف مع ما هو مأثور ومتعالم من أن المؤمن مبتلى وممتحن.
و لعل خير تفسير تتحمله الآية هو أن يقال : ان المرء الذي يثور أولا على نفسه فيصلحها إنما هو المصلح الحقيقي وعلى ما ورث من تقاليد ونظم ربما كانت فاسدة أو على ما أفسده الزمان فيصلحه هو الذي يصح أن يكون معنيا بهذه الآية التي تكمن فيها روح الشجاعة والثورة على فساد العادات والتقاليد وفساد العقائد والمبادئ وعلى الفقر والجهل وعلى الاستعمار والاقطاع، كما تكمن فيها روح الثورة على الذين يبنون قصورا من عرق الكادحين ويعدون سيارات من دموع المنكوبين.
[سورة الرعد (١٣) : الآيات ١٢ الى ١٤]