الاستعارة التمثيلية في قوله « و إن كان مكرهم لتزول منه الجبال » فقد شبه بقوله لتزول منه الجبال مكرهم لتفاقمه وشدته، وافتتانهم فيه. وبلوغهم الغاية منه وشبه شريعته وآياته وما أنزله على نبيه من تعاليم سامية، وحجج بينة شبهها بالجبال في رسوخها وتمكنها من نفوس المؤمنين بها المتشبثين بأهدابها وهي من أرقى الاستعارات وأجملها وتزداد روعتها بأن صدور المكر المعدّ لإزالة الجبال صادر عن قوم جوف لا جدوى فيه ولا قوة لهم، وهم في تقلبهم وخفتهم أشبه بالهواء إذ قال قبل ذلك « و أفئدتهم هواء » والهواء الخلاء والخواء الذي لم تشغله الاجرام فوصف به القلب فقيل قلب هواء إذا كان
إعراب القرآن وبيانه، ج ٥، ص : ٢٠٩
قزوقة جبانا لا قوة في قلبه ولا جرأة ويقال للأحمق أيضا قلبه هواء، قال زهير بن أبي سلمى يصف ناقته :
كأن الرجل منها فوق صعل من الظلمان جؤجؤه هواء
الصعل : المنجرد شعر الرأس والصغير الرأس والظلمان جمع ظليم وهو ذكر النعام، والجؤجؤ الصدر وجعل صدره فارغا ليكون أسرع في السير الى طعامه، والنعام مثل في الجبن والخوف والحمق.
و قال حسان بن ثابت يهجو أبا سفيان قبل إسلامه :
ألا أبلغ أبا سفيان عني فأنت مجوف نخب هواء
بأن سيوفنا تركت عبيدا وعبد الدار سادتها الإماء
هجوت محمدا فأجبت عنه وعند اللّه في ذاك الجزاء
أتهجوه ولست له بكف ء فشركما لخيركما الفداء
أمن يهجو رسول اللّه منكم ويمدحه وينصره سواء
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد فيكم وقاء
و المجوف والنخب والهواء : خالي الجوف أو فارغ القلب من العقل والشجاعة، وقد رمق شوقي في العصر الحديث هذا المعنى فاقتبسه لوصف الغيد العذارى بقوله :
فاتقوا اللّه في قلوب العذارى فالعذارى قلوبهن هواء
إعراب القرآن وبيانه، ج ٥، ص : ٢١٠
الفوائد :
معنى تبدل الأرض غير الأرض :


الصفحة التالية
Icon