و بعد نقل ما تقدم عثرت على اعتراض جميل وهو أنه تقدم أن المراد بالاجرام ذلك الفعل الشنيع فكيف يقولون إن المرأة من الآل ومن المجرمين وذلك الفعل لا يتصور منها وعلى هذا يطيح الرأيان جميعا ويمكن أن يجاب بأن الدلالة على الشي ء كفعله أو السكوت على الاجرام والرضا به إجرام وانما أطلنا الكلام لأن هذه الآية مما كثر فيه الكلام وقل من أصاب الغرض من الأئمة الاعلام وسئل عنها الجلال السيوطي في الفتاوى فما أتى بالمرام واللّه أعلم.
و قد اضطرب أبو حيان في كلامه على الرأيين والموازنة بينهما فقال :
« و لما استسلف الزمخشري أن إلا امرأته مستثنى من الضمير المجرور في لمنجوهم لم يجوز أن يكون استثناء من استثناء ومن قال انه استثناء من استثناء فيمكن تصحيح كلامه بأحد وجهين أحدهما انه لما كان الضمير في لمنجوهم عائدا على آل لوط وقد استثنى منه المرأة صار كأنّه مستثنى من آل لوط لأن المضمر هو الظاهر في المعنى والوجه الآخر أن قوله إلا آل لوط لمّا حكم عليهم بغير الحكم على قوم مجرمين اقتضى ذلك نجاتهم فجاء قوله إنا لمنجوهم أجمعين تأكيدا لمعنى الاستثناء إذ المعنى إلا آل لوط فلم يرسل إليهم بالعذاب فصار نظير قولك قام القوم إلا زيدا فانه لم يقم أو إلا زيدا لم يقم فهذه الجملة تأكيد لما تضمنه الاستثناء من الحكم على ما بعد إلا بضد الحكم السابق على المستثنى منه فإلا امرأته على هذا التقرير الذي قررناه استثناء من آل لوط لأن الاستثناء مما جي ء به للتأسيس أولى مما جي ء به للتأكيد ».
إعراب القرآن وبيانه، ج ٥، ص : ٢٥٢
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٦٥ الى ٧٧]


الصفحة التالية
Icon