الرفث والفسوق والجدال فيه يشعر بأن هذه الأعمال في غير الحجّ، وإن كانت منهيا عنها وقبيحة، إلا أن ذلك القبح الثابت لها في غير الحج كلا قبح بالنسبة لوقوعها في الحجّ، فاجتنابها متحتّم على كل حال، ولكن اجتنابها في الحجّ أمر فوق الاجتناب. وللنهي في لغتنا العربية فروع وشعاب لا يكاد يسبر لها غور، ومن ذلك أن تنهى عن أمر هو في الحقيقة ممدوح ومحمود، ولكنه يوبق صاحبه إذا بلغه، وقد فطن شاعر الخلود المتنبي الى هذه الأسرار عند ما نهى صاحبيه أن يبلغا سيف الدولة مديحه فيه فيزداد اندفاعا ويرمي بنفسه في المخاطر الموبقة، قال وقد سما ما شاء :
فلا تبلغاه ما أقول فإنّه شجاع متى بذكر له الطعن يشتق
فهو لم يقصد من التماسه من صاحبيه أن يكتما عن سيف الدولة ما سمعاه من صفات أعماله، وطعان فرسانه، رفقا به وحذرا أن يدفعه الشوق الى التطويح بنفسه في المخاطر. ويشبهه الى حدّ ما قول كثيّر صاحب عزة :
فلا تذكراه الحاجبيّة إنّه متى تذكراه الحاجبيّة يحزن
٢- التشبيه البليغ، فقد شبه التقوى بالزاد بجامع التقوية وشدّ الأسر والامتناع.
٣- الإطناب في قوله :« يا أولي الألباب » فإن الأمر بالتقوى ليس خاصا بأولي الألباب وحدهم، ولا يتوجّه الكلام إليهم دون غيرهم بصدد الحث عليها، لأن كل إنسان مأمور بالتقوى، ويسمى
إعراب القرآن وبيانه، ج ١، ص : ٢٩٥
هذا ذكر الخاص بعد العام للتنبيه على فضل الخاص على العام وأرجحيته، وإنما يتفاضل الناس بالألباب التي هي العقول، وقد رمق المتنبي سماء هذا المعنى فقال :
لو لا العقول لكان أدنى ضيغم أدنى إلى شرف من الإنسان
٤- استعمل القرآن الألباب مجموعة فلم يأت بها مفردة لأنها من الألفاظ التي يسمج مفردها ويعذوذب جمعها، وهذا خاصة كامنة في لغتنا.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٩٨ الى ١٩٩]


الصفحة التالية
Icon