ب- تعذر التلافي : وذلك أن النار إذا شبت وتدافع شؤبوبها وتطاير لهيبها اجتاحت كل ما تصادفه وذل لها الصخر والخشب على حد قول أبي تمام :
لقد تركت أمير المؤمنين بها للنار يوما ذليل الصخر والخشب
فيعنو لها الصخر ويذل الخشب ويستلسم لشؤبوبها كل ما يناله دون أن تجدي في ذلك حيلة وقد يتعذر على رجل الإطفاء إخماد لهيبها وكثيرا ما يصبح الماء بمثابة الحطب الذي يذكيها وكذلك الشيب ينتشر بسرعة غريبة في أجزاء الرأس ويتمادى في سرعته بحيث يتعذر بل يستحيل تلافيه، وكثيرا ما يجنح الذين أصيبوا بالشيب الى تغطية شيبهم بالأصابيغ الكاذبة ليخفوا حقيقتهم وليستهووا قلوب الغانيات فلن يبدل ذلك شيئا من الواقع الراهن.
ج- الألم : وكما أن النار لذاعة كواءة تؤلم من تلامسه فكذلك الشيب يؤلم الأشيب وقد صدت عنه الغواني واقتحمته العيون على حد قول ابن الرومي :
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ٦٠
و كنت جلاء للعيون من القذى فقد أصبحت تقذي بشيبي وترمد
هي الأعين النجل التي كنت تشتكي مواقعها في القلب والرأس أسود
و قول أبي تمام :
يا نسيب الثغام ذنبك أبقى حسناتي عند الحسان ذنوبا
لو رأى اللّه أن في الشيب خيرا جاورته الأبرار في الخلد شيبا
و جميع ذلك منقول عن عمر بن أبي ربيعة :
رأين الغواني الشيب لاح بعوارضي فأعرضن عني بالخدود النواضر
و يرحم اللّه شوقيا عند ما جلس على ضفاف البردوني في زحلة واستمع الى وشوشات الحلي ووسوسات الأساور وألفى نفسه يرتقي الى السبعين فصرخ :
شيعت أحلامي بقلب باك ولمت من طرق الملاح شباكي
و رجعت أدراج الشباب وورده أمشي مكانهما على الأشواك
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ٦١
و بجانبي واه كأن خفوقه لمّا تلفت جهشة المتباكي