إذا رأى غير شي ء ظنه رجلا
و قد غفل شراحه عن حقيقة الخلاف المشتجر بين أهل السنة والاعتزال فذهبوا في تفسير هذا البيت كل مذهب قال ابن القطاع :
« قد أوخذ في هذا البيت فقيل : كيف يرى غير شي ء، وغير شي ء
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ٧٤
معدوم والمعدوم لا يرى؟ وفيه تناقض. وليس الأمر كما قالوا بل أراد غير شي ء يعبأ به » وقال أبو بكر الخوارزمي :« رأى في هذا البيت ليست من رؤية العين وإنما هو من رؤية القلب يريد به التوهم وغير الشي ء يجوز أن يتوهم ومثله كثير » وقال الواحدي :« إذا رأى غير شي ء يعبأ به أو يفكر في مثله ظنه إنسانا يطلبه وكذلك عادة الخائف الهارب كقول جرير :
ما زال يحسب كل شي ء بعدهم خيلا تكر عليهم ورجالا
قال أبو عبيد : لما أنشد الأخطل قول جرير هذا قال : سرقه واللّه من كتابهم « يحسبون كل صيحة عليهم » ويجوز حذف الصفة وترك الموصوف دالا عليها كقوله عليه الصلاة والسلام :« لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد » أجمعوا على أن المعنى لا صلاة كاملة فاضلة، ويقولون : هذا ليس بشي ء يريدون شيئا جيدا. وقال بعض المتكلمين :
إن اللّه خلق الأشياء من لا شي ء فقيل هذا خطأ لأن لا شي ء لا يخلق منه شي ء ومن قال إن اللّه يخلق من لا شي ء جعل لا شي ء يخلق منه والصحيح أن يقال يخلق لا من شي ء لأنه إذا قال لا من شي ء نفى أن يكون قبل خلقه شي ء يخلق منه الأشياء » والصحيح ما قاله : أي إذا رأى غير شي ء يخاف منه، ومن هذا الوادي « حتى إذا جاءه أم يجده شيئا » معناه يريده أو يطلبه أو يغنيه عن الماء أي شيئا نافعا مغنيا.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ١٦ الى ٢١]