فنون البلاغة وهو توكيد المدح بما يشبه الذم وقد سبقت الاشارة اليه في المائدة ولم نقسمه آنذاك فنقول انه ينقسم الى نوعين :
آ- أن يستثنى من صفة ذم منفية عن الشي ء صفة مدح لذلك الشي ء بتقدير دخولها في صفة الذم المنفية ومنه قول النابغة الذبياني :
و لا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
فقد جعل الفلول عيبا على سبيل التجوز بتا لنفي العيب بالكلية كأنه يقول : إن كان فلول السيف من القراع عيبا فانهم ذوو عيب معناه إن لم يكن عيبا فليس فيهم عيب البتة لأنه لا شي ء سوى هذا فهو بعد هذا التجوز والفرض استثناء متصل.
ب- ان تثبت لشي ء صفة مدح وتعقب ذلك بأداة استثناء يليها صفة مدح أخرى لذلك الشي ء نحو : أنا أفصح العرب بيد أني من قريش وقال النابغة أيضا :
فتى كملت أوصافه غير أنه جواد فما يبقي على المال باقيا
و أصل الاستثناء في هذا الضرب أن يكون منقطعا لكنه لم يقدّر متصلا بل بقي على حاله من الانقطاع لأنه ليس في هذا الضرب صفة ذم منفية عامة يمكن تقدير دخول صفة المدح فيها فحينئذ لا يستفاد التوكيد فيه إلا من الوجه الثاني من الوجهين المذكورين في الضرب الاول ولهذا كان الضرب الاول أبلغ لإفادته التأكيد من الوجهين.
إذا عرفت هذا فاعلم أن في الآية الكريمة :« لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما » ثلاثة أوجه :
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ١٢٦
آ- أن يكون معناه إن كان تسليم بعضهم على بعض أو تسليم الملائكة لغوا فلا يسمعون لغوا إلا ذلك وهو بهذا من وادي قول النابغة :
و لا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
ب- انهم لا يسمعون فيها إلا قولا يسلمون فيه من العيب والنقيصة وهذا يتعين فيه الاستثناء المنقطع.


الصفحة التالية
Icon