و في قوله تعالى :« إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى » إبهام وهو فن عجيب يقول فيه المتكلم كلاما يحتمل معنيين متغايرين لا يتميز أحدهما عن الآخر فكلمة أخفيها أولا تعني أمورا منها :
آ- أي أكاد أخفيها فلا أقول هي آتية لفرط إرادتي إخفاءها ولو لا ما في الإخبار بإتيانها مع تعمية وقتها من اللطف لما أخبرت به.
ب- أكاد أخفيها عن نفسي.
ثم انه جاء في بعض اللغات أخفاه بمعنى خفاه فهي من الأضداد أي أكاد أظهرها لقرب وقتها وبه فسر قول امرئ القيس :
فإن تدفنوا الداء لا نخفه وإن تبعثوا الحرب لا نقعد
أي إن تكتموا الضغائن التي بيننا نكتمها نحن أيضا ولا نظهرها.
على أن أحسن محامل الآية الكريمة هو أن يكون المراد أكاد أزيل خفاءها أي أظهرها إذ الخفاء الغطاء وهو أيضا ما تجعله المرأة فوق نيابها يسترها ثم تقول العرب أخفيته إذا أزلت خفاءه كما تقول أشكيته وأعتبته إذا أزلت شكايته وعتبه.
قال أبو علي القالي :« و قال اللحياني : خفيت الشي ء أخفيه خفيا وخفيا إذا استخرجته وأظهرته وأنشد لامرئ القيس :
خفاهنّ من أنفاقهنّ كأنما خفاهن ورق من سحاب مركب
قال أبو علي : وغيره يروي : من عشني مجلّب أي مصوت ويقال : اختفيت الشي ء أي أظهرته وأهل الحجاز يسمون النباش
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ١٧٣
المختفي لأنه يستخرج أكفان الموتى وأخفيت الشي ء أخفيه إخفاء إذا سترته قال اللّه عز وجل :« أَكادُ أُخْفِيها »
وهي قراءة العامة أي أظهرها وقال أبو عبيدة : أخفيت الشي ء كتمته وأظهرته ويقال دعوت اللّه خفية وخفية أي في خفض.
مجموعة من الاضداد في اللغة :
هذا ومن الاضداد الجلل للعظيم وللهين فمن الأول قول الشاعر :
و لئن عفوت لا عفون جللا ولئن سطوت لأوهننّ عظمي
و من الثاني قول امرئ القيس لما قتل أبوه :
بقتل بني أسد ربهم ألا كل شي ء سواه جلل


الصفحة التالية
Icon