ثم تحدث الجاحظ بأسلوبه العذب السمح عن الشجر ومنافعها مما تأتي الاشارة إليه في حينه، وأورد قصصا مأثورة عن الانتفاع بالعصا، وما كان لها عند العرب من شأن فأورد قصة عامر بن الظرب العدواني- حكم العرب في الجاهلية- لما أسنّ واعتراه النسيان أمر بنته « عمرة » أن تقرع بالعصا إذا هو فهّ عن الحكم وجار عن القصد وكانت من حكيمات بنات العرب، حتى جاوزت في ذلك مقدار صحر بنت لقمان، وهند بنت الخس وخمعة بنت حابس وكان يقال لعامر ذو الحلم ولذلك قال الحارث بن وعلة :
و زعمتم أن لا حلوم لنا إن العصا قرعت لذي الحلم
و قال الفرزدق :
فإن كنت أنساني حلوم مجاشع فإن العصا كانت لذي الحلم تقرع
قلت :
قلت : هذا ما رواه الجاحظ بصدد قرع العصا، وليس هذا القول حاسما ففي أول من قرعت له العصا خلاف طويل فقيل هو عامر
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ١٨١
ابن الظرب كما ذكر الجاحظ وقيل هو قيس بن خالد ذو الجدين وقيل هو عمرو بن حممة الدوسي ولكن الأشهر ما رواه الجاحظ.
و ذكر العصا عندهم يجري في معان كثيرة تقول العرب :« العصا من العصية، والأفعى بنت حية » تريد أن الأمر الكبير يحدث عن الأمر الصغير، ويقال : طارت عصا فلان شققا ويقال : فلان شق عصا المسلمين ولا يقال شق ثوبا ولا غير ذلك مما يقع عليه اسم الشق وقال المضرّس الأسدي :
و ألقت عصاها واستقر بها النوى كما قر عينا بالإياب المسافر
و يقال لبني أسد « عبيد العصا » يعنى أنهم ينقادون لكل من حالفوا من الرؤساء وتسمي العرب كل صغير الرأس « العصا » وكان عمرو بن هبيرة صغير الرأس قال سويد بن كراع العكلي :
فمن مبلغ رأس العصا أن بيننا ضغائن لا تنسى وإن قدم الدهر
و كان والبة بن الحباب الأسدي أحد من أخذ عنهم أبو نواس وكان شاعرا ماجنا صغير الرأس فقال أبو العتاهية في رأس والبة ورؤوس قومه :
رؤوس عصي كنّ من عود أثلة لها قادح يفري وآخر مخرب
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ١٨٢
قلت :


الصفحة التالية
Icon