و ذلك في قوله « فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ » أي علاهم وغمرهم من الأمر الهائل الذي ليس في طوقهم احتماله ما لا يمكن ادراك كنهه ولا سبر غوره وهو من جوامع الكلم التي يقل لفظها ويتشعب القول في معناها.
٣- التهكم :
تقدم القول فيه مرارا وهو هنا في قوله « وَما هَدى » والمعروف أن التهكم هو أن يأتي المتكلم بعبارة والمقصود عكس معناها كقوله « إنك لأنت الحليم الرشيد » وغرضهم وصفه بضد هذين الوصفين وأما قوله تعالى « وَما هَدى » فمضمونه هو الواقع فهو حينئذ مجرد
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ٢٢٨
إخبار عن عدم هدايته لقومه فأين التهكم؟ ولكن العرف في مثل ما هدى زيد عمرا بثبوت الهداية لزيد في نفسه ولكنه يؤخذ عليه انه لم يهد عمرا ولكن فرعون ضال في نفسه بل ان الضلال مركوز في سليقته كامن فيه كمون الطبائع الاصيلة فكيف يتوهم انه يهدي غيره وإذن فهو جمع بين المثلبتين واكتنفه الشر من ناحيتين فحق لمثله وقد صار مهزأة ان يتهكم به ويكون أداة للتهكم.
٤- المجاز العقلي :
و في قوله تعالى « وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ » فإن لقائل أن يقول ان المواعدة كانت لموسى عليه السلام فكيف أضيفت إليهم، وإيضاح الجواب الدقيق الذي لم أر من وفّاه حقه أنه مجاز عقلي أسند المواعدة إليهم من قبل اللّه كما تسند الأمور المدركة الى من ليس له ادراك على حد المجاز العقلي وهذا من أسمى ما يصل اليه الأسلوب اللبق تقول لابن صديقك المتعسف المرتطم في حمأة الهوان لقد عرفتكم أهل حجا وتصون، تريد أن تنسب اليه ما هو بعيد عنه بعد الأمور المدركة عن غير العقلاء حين تنسب إليهم على طريق المجاز العقلي.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٨٣ الى ٨٦]


الصفحة التالية
Icon