٢- وفي قوله :« أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ... » الآية فن المناسبة وهي على ضربين معنوية ولفظية والمعنوية هي أن يبتدئ المتكلم بمعنى ثم يتمم كلامه بما يناسبه معنى دون لفظ فالآية موعظتها سمعية فختمها بأشد مناسبة معنوية بقوله « أَفَلا يَسْمَعُونَ » وقال في الآية التي موعظتها مرئية وهي آية السجدة :« أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ » فقد ختمها بقوله :
« أَفَلا يُبْصِرُونَ » لأن ذلك مما يتبين بالرؤية وما فوق هذه المناسبة مناسبة. ومن بديع ما ورد فيها شعرا قول القاضي الفاضل :
و بدر بأفلاك الخواطر طالع وغصن بريحان الغدار وريق
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ٢٧٦
لئن بت في بحر من الفكر سابحا فإنسان عيني في الدموع غريق
فالمناسبة في الشطر الاول في البدر والافلاك والطلوع وفي الشطر الثاني بين الغصن والريحان ووريق وفي الثالث بين البحر وسابحا وفي الرابع بين إنسان العين والدموع وغريق ففي كل شطر من البيتين مناسبات عديدة، وأما المناسبة اللفظية فهي دون رتبة المعنوية وهي الإتيان بكلمات متزنات وهي أيضا على ضربين : تامة وغير تامة فالتامة تكون الكلمات مع الاتزان مقفاة والناقصة موزونة غير مقفاة فمن شواهد التامة من القرآن العظيم قوله تعالى :« ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ، ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ » ومن الشعر قول ابن هانئ الاندلسي :
و عوابس وقوابس وفوارس وكوانس وأوانس وعقائل
و من غير التامة قول ابن خلوف المغربي :
كالورد خدا والغزالة بهجة والغصن قدا والغزال مقلدا
و قد اجتمعت التامة والناقصة في قول أبي تمام :


الصفحة التالية
Icon