و علا هتاف الناس أيهما قال المجيب هناك : لا أدري
برقت صحيفة وجه والده ومضى على غلوائه يجري
أولى فأولى أن يساويه لو لا جلال السن والكبر
فلنتكم الآن على الآية والأبيات معا لتتضح لك حقيقة هذا الفن العجيب : ففي الآية ساوى أول الآية بين داود وسليمان عليهما السلام في
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ٣٤٥
أهلية الحكم ثم رجح آخرها سليمان حيث يقول « فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ » وحصل الالتفات الى مراعاة فأتى بما يقوم مقام تلك الزيادة التي يرجح بها سليمان لترشد الى المساواة في الفضل لتكون فضيلة السن وما يستتبعها من وفرة التجارب وحنكة الحياة قائمة مقام الزيادة التي رجح بها سليمان في الحكم أما معنى شعر الخنساء فإنها بعد قولها في المساواة :
و هما وقد برزا كأنهما صقران قد حطا الى وكر
و بعد قولها فيها أيضا :
حتى إذا نزت القلوب وقد لزت هناك العذر بالعذر
تريد أن عذر اللجم لز بعضها بعضا والعذر جميع عذار وهو السير الذي يكون على خد الدابة من اللجام وهذا يدل على المساواة في العدو ثم قالت في ترجيح الوالد :
برقت صحيفة وجه والده ومضى على غلوائه يجري
تعني أنه خرج وجهه من الغبار دون وجه رسيله سبقا.
ثم قالت في الحاق الولد بالوالد في الفضل :
أولى فأولى أن يساويه لو لا جلال السن والكبر
تريد أن الولد كان قادرا على مساواة الوالد لو لا ما التزمه من الأدب مع برّ أبيه، ومعرفته بحقه، فغض من عنانه وخفض جناح فضله ليؤثر أباه بالفضل على نفسه.
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ٣٤٦


الصفحة التالية
Icon