و قيل : انه لما وصل الى قوله « وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى » خشي المشركون أن يأتي بعدها بشي ء يذم آلهتهم به كعادته إذا ذكرها فبادروا الى ذلك الكلام فخلطوه في تلاوة النبي صلى اللّه عليه وسلم على عادتهم في قولهم :« لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ » أي أظهروا اللغو برفع الأصوات تخليطا وتشويشا عليه ونسب ذلك الى الشيطان لكونه الحامل لهم عليه أو المراد بالشيطان شيطان الانس.
و قيل : المراد بالغرانيق العلا الملائكة وكان الكفار يقولون :
الملائكة بنات اللّه ويعبدونها فنسق ذكر الكل ليرد عليهم بقوله « أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى » فلما سمعه المشركون حملوه على الجميع وقالوا قد عظم آلهتنا ورضوا بذلك فنسخ تينك الكلمتين وهما قوله : تلك الغرانيق العلا، وان شفاعتهن لترتجى وأحكم آياته.
و قيل : كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يرتل القرآن فترصّده الشيطان في سكتة من السكتات ونطق بتلك الكلمات محاكيا صوت النبي صلى اللّه عليه وسلم بحيث سمعه من دنا اليه فظنها من قول النبي وأشاعها. قال القاضي عياض وهذا أحسن الوجوه وهو الذي يظهر ترجيحه ويؤيده ما روي عن ابن عباس في تفسير تمنى بتلا وكذا استحسن ابن العربي هذا التأويل وقال : معنى قوله في أمنيته أي في
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ٤٥٦
تلاوته فأخبر تعالى في هذه الآية أن سنة اللّه في رسله إذا قالوا قولا زاد الشيطان فيه من قبل نفسه فهذا نصّ في أن الشيطان زاد في قول النبي صلى اللّه عليه وسلم أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قاله لأنه معصوم.
قال في فتح الباري :« و قد سبق الى ذلك الطبري مع جلالة قدره وسعة علمه وشدة ساعده في النظر فصوب هذا المعنى » ا ه.


الصفحة التالية
Icon