فمن ذلك قوله :
يا أيها الملك النائي برؤيته وجوده لمراعي جوده كثب
ليس الحجاب بمقص عنك لي أملا إن السماء ترجّى حين تحتجب
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ٤٨٧
و كذلك قوله في الهجاء :
و أنت تدير قطب رحى عليا ولم نر للرحى العلياء قطبا
ترى ظفرا بكل صراع قرن إذا ما كنت أسفل منه جنبا
و كذلك قوله :
و إذا أراد اللّه نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف العود
و كذلك له في الشيب :
شعلة في المفارق استودعتني في صميم الفؤاد ثكلا صميما
يستثير الهموم ما اكتنّ منها صعدا وهي تستثير الهموما
على أن ابن الرومي فاق شعراء العربية جميعا في خلق الأشكال للمعاني المجردة أو خلق الرموز لبعض الاشكال المحسوسة بل فاق بها شعراء الدنيا جميعا. استمع لوصفه لحركة الرقاق في يد الخباز :
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ٤٨٨
ما أنس لا أنس خبازا مررت به يدحو الرقاقة مثل اللمح بالبصر
ما بين رؤيتها في كفه كرة وبين رؤيتها قوراء كالقمر
إلا بمقدار ما تنداح دائرة في صفحة الماء يرمى فيه بالحجر
و وصفه للحركة البطيئة في سير السحائب :
سحائب قيست في البلاد فألفيت غطاء على أغوارها ونجودها
حدتها النّعامى مثقلات فأقبلت تهادى، رويدا، سيرها كركودها
و له :
و إذا امرؤ مدح امرأ لنواله وأطال فيه فقد أراد هجاءه
لو لم يقدر فيه بعد المستقى عند الورود لما أطال رشاءه
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ٤٨٩
و له قوله الممتع :
عدوك من صديقك مستفاد فلا تستكثرنّ من الصحاب
فإن الداء أكثر ما تراه يكون من الطعام والشراب
و كذلك قوله :
لما تؤذن الدنيا به من صروفها يكون بكاء الطفل ساعة يولد
و إلا فما يبكيه منها وانها لأوسع مما كان فيه وأرغد
إذا أبصر الدنيا استهل كأنه بما هو لاق من أذاها يهدد
قول جامع للجاحظ :


الصفحة التالية
Icon