الظاهر للمبالغة في التوبيخ وليصرح بلفظ الايمان دلالة على أن الاشتراك فيه مقتضى أن لا يصدق مؤمن على أخيه ولا مؤمنة على أختها قول عائب ولا طاعن، وهذا ما فعله النبي صلى اللّه عليه وسلم وكان جديرا بالآخرين الاحتذاء به : سمع حديثا يلاك بين المنافقين ويسري الى المسلمين بل الى خاصة ذويه الأقربين، حديثا يسمعه رجل كعلي بن أبي طالب في بره نحيزته فلا يرى بعده حرجا من الطلاق والنساء كثيرات، سمع النبي ذلك الحديث المريب فلم يقبله بغير بينة ولم يرفضه بغير بينة وكان عليه أن يعود زوجه المريضة أو يجفوها الى حين فعادها وبه من الرفق والانصاف ما يأبى عليه أن يفاتحها في مرضها بما يخامر نفسه الكريمة، وبه من الموجدة والترقب ما أبى عليه أن يقابلها بما كان يقابلها به والنفس صافية كل الصفاء وظل يسأل عنها سؤال متعتب ينتظر أن تشفى وأن تأتيه البينة فيشتد كل الشدة أو يرحم كل الرحمة، ولا يعجله لغط الناس أن يأخذ في هذا الموقف الأليم بما توجبه الحمية وما توجبه المروءة في آن.
عبد اللّه بن أبيّ ومسطح :
و إذا قيل إن عبد اللّه بن أبيّ كان من أصحاب العصبية التي بحسب حسابها وتتقى بوادرها فماذا يقال في مسطح وهو مكفول أبي بكر وصنيعته الذي يأكل من ماله؟ ما الذي أنجاه من السخط والعقاب وكفل له دوام البر والمعونة لو لا سماحة النبي الكريم وسماحة أبي بكر وسماحة القرآن؟
٣- المبالغة :
تقدم البحث في مثل هذا التعبير « تقولون بأفواهكم » والقول
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ٥٨٠
لا يكون إلا بالفم فما معنى ذكر الأفواه، ونعيد القول انه هنا للمبالغة والتعريض بأنه ربما يتمشدق ويقضي تمشدق جازم عالم وهذا أشد وأقطع ومعناه أن الشي ء المعلوم يكون وعلمه في القلب فيترجم عنه اللسان وهذا الإفك ليس إلا قولا يجري على ألسنتكم ويدور في أفواهكم من غير ترجمة عن علم به في القلب.
[سورة النور (٢٤) : الآيات ١٦ الى ٢٠]