في قوله « ألم تر أن اللّه يزجي سحابا » الآية فن انفرد به القليل من علماء البيان وهو فن العنوان، وعرفوه بأنه أن يأخذ المتكلم في غرض له من وصف أو فخر أو مدح أو عتاب أو هجاء أو غير ذلك من الفنون ثم يأتي لقصد تكميله وتوكيده بأمثلة من ألفاظ تكون عنوانات لأخبار متقدمة وقصص سالفة، ومنه نوع عظيم جدا وهو ما يكون عنوانا للعلوم وذلك أن تذكر في الكلام ألفاظ تكون مفاتيح لعلوم ومداخل لها والآية التي نحن بصددها فيها عنوان العلم المعروف بالآثار العلوية والجغرافيا الرياضية وعلم الفلك، ومن أمثلته في الشعر قصيدة أبي فراس الحمداني :
خليلي ما أعددتما لمتيم أسير لدى الأعداء جافي المراقد
فريد عن الأحباب لكن دموعه مثان على الخدين غير فرائد
جمعت سيوف الهند من كل وجهة وأعددت للأعداء كل مجالد
إذا كان غير اللّه للمرء عدة أتته الرزايا من وجوه الفوائد
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ٦٢٦
فقد جرت الحنفاء حتف جذيمة وكان يراها عدة للشدائد
و جرت منايا مالك بن نويرة حليلته الحسناء يا أم خالد
و أردى ذؤابا في بيوت عتيبة بنوه وأهلوه بشدو القصائد
فهذه القصص التي استطرد إليها أبو فراس تكميلا لقصده وتدعيما لرأيه مشهورة ومعروفه، ويمكن الرجوع إليها في مظانها بكل سهولة.
و قال الفرزدق لجرير :
فهل أنت إن ماتت أتانك راكب إلى آل بسطام بن قيس فخاطب
و إني لأخشى إن خطيت إليهم عليك الذي لاقى يسار الكواعب


الصفحة التالية
Icon