ذكر ابن هشام في مغني اللبيب عن رجل كبير من الفقهاء أنه استشكل قول الشريف الرضي الآنف الذكر وقال كيف ضم التاء من تبيت وهي للمخاطب لا للمتكلم وفتحها من أبيت وهو للمتكلم؟ فبينت للحاكي أن الفعلين مضارعان وأن التاء فيهما لام الكلمة وان الخطاب في الأول مستفاد من الهمزة والأول مرفوع لحلوله محل الاسم والثاني منصوب بأن مضمرة بعد واو المصاحبة على حد قول الحطيئة :
ألم أك جاركم ويكون بيني وبينكم المودة والإخاء
هذا ونعود إلى بيت الشريف فنقول : هو من أرق الشعر وأجمله وفيه استعارة تبعية حيث شبه امتلاء جفون المحبوب من النوم بالري وهو امتلاء الجوف بالماء المذهب للأوار بجامع حصول الراحة في كل منهما، واستعير اسم المشبه به للمشبه، واشتق من الري ريان بمعنى ممتلى ء الجفون، وفيه أيضا كناية وذلك أنه كنى بليلة الملسوع عن ليلة السهر لأن السهر والأرق من لوازم ذلك، وفيه أيضا طباق بين النوم المستفاد من الصدر صريحا والسهر المستفاد من العجز كناية، فقد استكمل البيت ثلاثة فنون من البيان فإذا أضفت إلى ذلك خروج
إعراب القرآن وبيانه، ج ٧، ص : ٤٢
الاستفهام عن معناه الأصلي إلى البث والشكوى فقد استكمل أربعة فنون يضاف إليها خامس وهو فن حسن النسق وسلاسة الأسلوب.
و هو من أبيات نذكر منها الباقة التالية :
يا صاحب القلب الصحيح أما اشتفى ألم الجوى من قلبي المصدوع
هيهات لا تتكلفنّ لي الهوى فضح التطبع شيمة المطبوع
كم قد نصبت لك الحبائل طامعا فنجوت بعد تعرض لوقوع
و تركتني ظمآن أشرب غلتي أسفا على ذاك اللمي الممنوع
كم ليلة جرّ عته في طولها غصص الملام ومؤلم التقريع
أبكي ويبسم والدجى ما بيننا حتى أضاء بثغره ودموعي
قمر إذا استعجلته بعتابه لبس الغروب ولم يعد لطلوع
إعراب القرآن وبيانه، ج ٧، ص : ٤٣
لو حيث يستمع السرار وفقتما لعجبتما من عزه وخ


الصفحة التالية
Icon