ورد كتاب أمير المؤمنين- أطال اللّه بقاءه- يسألني عن مصر، اعلم يا أمير المؤمنين أن مصر قرية غبراء، وشجرة خضراء، طولها شهر، وعرضها عشر، يكنفها جبل أغبر، ورمل أغفر، يخطر وسطها نيل مبارك الغدوات، ميمون الروحات، تجري فيه الزيادة والنقصان، كجري الشمس والقمر، له أوان يدرّ حلابه، ويكثر فيه ذبابه، تمده عيون الأرض وينابيعها، حتى إذا ما اصلخمّ عجّاجه، وتعظّمت أمواجه، فاض على جانبيه، فلم يمكن التخلص من القرى بعضها الى بعض إلا في صغار المراكب، وخفاف القوارب، وزوارق كأنهن في المخايل ورق الاصائل، فإذا تكامل في زيادته نكص على عقبيه كأول ما بدا في جريته، وطما في درّته فعند ذلك تخرج أهل ملّة محقورة، وذمة مخفورة، يحرثون الأرض، ويبذرون بها الحبّ، يرجون بذلك النماء من الرب، لغيرهم ما سعوا من كدهم، فناله منهم بغير جدّهم، فإذا أحدق الزرع وأشرق، سقاه الندى، وغذاه من تحته الثرى، فبينما مصر يا أمير المؤمنين لؤلؤة بيضاء، إذا هي عنبرة سوداء، فإذا هي زمردة خضراء، فإذا هي ديباجة رقشاء فتبارك اللّه الخالق لما يشاء » الى آخر تلك الرسالة الممتعة.
و جاء في خطط المقريزي ما يجلو غوامض هذه الرسالة :
« و وصف بعضهم مصر فقال : ثلاثة أشهر لؤلؤة بيضاء، وثلاثة أشهر مسكة سوداء، وثلاثة أشهر زمردة خضراء، وثلاثة أشهر سبيكة ذهب حمراء، فأما اللؤلؤة البيضاء فإن مصر في أشهر أبيب ومسرى وتوت يركبها الماء فترى الدنيا بيضاء وضياعها على روابي وتلال مثل الكواكب قد أحيطت بالمياه من كل وجه فلا سبيل الى قرية من قراها إلا بالزوارق، وأما المسكة السوداء فإن في أشهر بابه وهاتور وكيهك
إعراب القرآن وبيانه، ج ٧، ص : ٨٤