الإله الذي لا تجب العبادة إلا له ولا ينبغي الرجوع والإنابة إلا إليه، فصور المسألة في نفسه دونهم « فإنهم عدو لي » على معنى : إني فكرت في أمري فرأيت عبادتي لها عبادة للعدو وهو الشيطان فاجتنبتها، وآثرت عبادة من بيده الخير كله، وأراهم بذلك أنها نصيحة ينصح بها نفسه لينظروا فيقولوا : ما نصحنا ابراهيم إلا بما نصح به نفسه فيكون ذلك أدعى الى القبول لقوله وأبعث على الاستماع منه، ولو قال انهم عدو لكم لم يكن بهذه المثابة فتخلص عند تصويره المسألة في نفسه الى ذكر اللّه تعالى فأجرى عليه تلك الصفات العظام، فعظم شأنه وعدد نعمته من لدن خلقه وأنشأه إلى حين يتوفاه مع ما يرجى في الآخرة من رحمته ليعلم من ذلك أن من هذه صفاته حقيق بالعبادة واجب على الخلق الخضوع له والاستكانة لعظمته، ثم تخلص من ذلك إلى ما يلائمه ويناسبه فدعا اللّه بدعوات المخلصين وابتهل اليه ابتهال الأوابين لأن الطالب من مولاه إذا قدم قبل سؤاله وتضرعه الاعتراف بالنعمة كان ذلك أسرع للاجابة وأنجح لحصول الطلبة، ثم أدرج في ضمن دعائه ذكر البعث ويوم القيامة ومجازاة اللّه من آمن به واتقاه بالجنة ومن ضل عن عبادته بالنار.. فتدبر هذه التخلصات البديعة المودعة في أثناء هذا الكلام.
٦- التقديم :
و في قوله :« رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين » التقديم فقد استوهب الحكم أولا ثم طلب الإلحاق بالصالحين، والسر فيه دقيق جدا، ذلك أن القوة النظرية مقدمة على القوة العملية لأنه يمكنه أن يعلم الحق وإن لم يعمل به وعكسه غير ممكن لأن العلم صفة الروح
إعراب القرآن وبيانه، ج ٧، ص : ٩٤
و العمل صفة البدن وكما أن الروح أشرف من البدن كذلك العلم أفضل من الإصلاح.
٧- المجاز المرسل :