في قوله :« قبل أن يرتد إليك طرفك » كناية عن الاسراع، والطرف هو تحريك أجفانك إذا نظرت، فوضع موضع النظر، ولما كان الناظر موصوفا بإرسال الطرف وصف برد الطرف ووصف الطرف بالارتداد وعليه قوله :
و كنت إذا أرسلت طرفك رائدا لقبلك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لاكله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر
و هذان البيتان لأعرابية نظرها أعرابي فخاطبها بشعر يسألها عن أحوالها ومحاسنها كأنه يراودها عن نفسها فأجابته بذلك وقيل هو لشاعر حماسي، وشبه إطلاق البصر نحو المناظر الجميلة بإرسال الرائد أمام الركب يتعرف لهم مكان الخصب على طريق الاستعارة التصريحية ورائدا ترشيح للاستعارة ويوما ظرف له.
٢- السر في التشبيه :
و في قوله « كأنه هو » تشبيه مرسل عدلت إليه عن مقتضى السؤال، ومقتضاه أن تقول : هو هو لسر دقيق جدا وذلك ان « كأنه » عبارة من قرب الشبه عنده حتى شكك نفسه في التغاير بين الأمرين فكاد يقول هو هو،
إعراب القرآن وبيانه، ج ٧، ص : ٢١٨
و تلك حال بلقيس ولما كانت هكذا هو عبارة جازم بتغاير الامرين حاكم بوقوع الشبه بينهما لا غير فلهذا عدلت الى العبارة المذكورة في التلاوة لمطابقتها لحالها.
٣- التجنيس :
و هو تآلف الكلمتين في تأليف حروفهما وهو هنا في قوله « و أسلمت مع سليمان ».
الفوائد :
١- قصة الصرح :
هذا ونلخص ما يروى من قصة الصرح لانها قصة شعرية مجنحة الخيال فقد روي أن سليمان أمر قبل قدومها فبني له على طريقها قصر من زجاج أبيض وأجرى من تحته الماء وألقى فيه من دواب البحر السمك وغيره ووضع سريره في صدره فجلس عليه، فلما رأت اللجة فزعت وظنت أنه قصد إغراقها وتعجبت من كون كرسيه على الماء ولم يكن لها بد من امتثال الأمر فكشفت عن ساقيها والمقصود من ذلك كله اختبار عقلها وارهاصها بالمعاجز لا ما يروى انه قيل له انها شعراء الساقين ورجلها كحافر الحمار مما لا يتلاءم ووقار النبوة وترفعها عن الصغائر.


الصفحة التالية
Icon