في قوله « و مكروا مكرا ومكرنا مكرا » فن المشاكلة وهي ذكر الشي ء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته لأن اللّه تقدس عن أن يستعمل في حقه المكر، إلا أنه استعمل هنا مشاكلة وهو كثير في القرآن ومنه « تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك » واللّه تعالى وتقدس لا تستعمل في حقه لفظة النفس، أما مكرهم فهو ما بيتوه لصالح وما انتووه من إهلاكه وأهله، وأما مكر اللّه فهو إهلاكهم من حيث لا يشعرون على سبيل الاستعارة المنضمة الى المشاكلة، فقد شبه الإهلاك بالمكر في كونه إضرارا في الخفاء لأن حقيقة المكر هو الإيقاع بالآخرين قصدا وعن طريق الغدر والحيلة، وقد تقدمت قصة إهلاكهم في الشعب.
الفوائد :
١- تمييز العدد :
مميز الثلاثة والعشرة وما بينهما إن كان اسم جنس وهو ما يفرق بينه وبين مفرده بالتاء كشجر وتمر، أو اسم جمع وهو ما دل على الجمع وليس له مفرد من لفظه كقوم ورهط جرّ بمن، تقول ثلاثة من التمر أكلتها وعشرة من القوم لقيتهم وتسعة من الرهط صحبتهم، قال تعالى :
« فخذ أربعة من الطير » وقد يجر بإضافة العدد إليه فاسم الجمع نحو الآية المتقدمة « و كان في المدينة تسعة رهط » وفي الحديث :« ليس فيما دون خمس ذود صدقة » وقال الشاعر :
ثلاثة أنفس وثلاث ذود لقد جار الزمان على عيالي
إعراب القرآن وبيانه، ج ٧، ص : ٢٢٦
و الذود من الإبل ما بين الثلاث الى العشرة وهي مؤنثة ولا واحد لها من لفظها كما في الصحاح، والأنفس جمع نفس وهي مؤنثة وإنما أنّث عددها وكان القياس تذكيره لأن النفس كثر استعمالها مقصودا بها الإنسان، أما اسم الجنس فكقول جندل بن المثنى :
كأن خصييه من التدلدل ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل
فحنظل اسم جنس مجرور بالإضافة على حد تسعة رهط، هذا ويروي بدل التدلدل التهدل وهو أولى ويروى سحق جراب وخص العجوز لأنها لا تستعمل الطيب حتى يكون في ظرفها ما تتزين به والبيت من أقذع الهجاء.


الصفحة التالية
Icon