النرجسية والشذوذ الجنسي :
يرجع الفلاسفة المحدثون ظواهر الشذوذ في غرائز الجنس الى النرجسية، ولهذا كان لا بد من أن نشرح هذه النرجسية كما يفهمها المحللون النفسيون :
كان اليونانيون الأقدمون يطلقون اسم نرجس على فتى من فتيان الأساطير بارع الحسن ساحر الشمائل يفتن من يراه ويشقي بجماله وتيهه قلوب العذارى الخفرات، فلا يلتفت إليهن ولا يستجيب لضراعتهن، ولم يزل كذلك حتى ضجت السماء بدعاء عاشقاته وصلواتهن الى الأرباب أن يصرفوهن عنه أو يصرفوه عنهن واستجابت « نمسي » ربة القصاص والجزاء الى هذا الدعاء فقضت عليه أن يهيم بحب نفسه ويلقى منها الشقاء الذي تلقاه منه عاشقاته، قال رواة الأساطير : فما هو إلا أن ذهب يشرب من ينبوع صاف حتى لمح بصورته في مائه فوقف عندها يعجب من جمالها وأذهلته الفتنة عن شأنه فلم يبرح مكانه مطرقا الى الماء ليتملّى تلك الصورة ويرتوي من النظر إليها فلا يزيده النظر إلا لهفة وشوقا ولا تزيده اللهفة إلا هزالا وذبولا حتى فني، وذهبت عرائس الماء تطلب رفاته فلم تجد في مكانه غير نرجسة مطرقة ترنو الى الماء ولا ترفع بصرها الى السماء، فالنرجس أبدا مطرق مفتوح العين لا يشبع من النظر الى خياله على حوافي الجداول والغدران. وهناك روايات أخرى حول هذه الأسطورة تمثل الصدى والحذر والسبات لا تخرج عن هذا الفحوى وتلحق بما تنطوي
إعراب القرآن وبيانه، ج ٧، ص : ٢٣٣


الصفحة التالية
Icon