منشأ الاضطراب في هذه الآية أنهم- أي النحاة- أعربوا لفظ الجلالة بدلا من « من » وفي ذلك إبدال المستثنى المنقطع وهي لغة مرجوحة لتميم، ولما كانت القراءة مما اتفق عليه السبعة بالرفع حصل ذلك الاشكال، وفيما ذكرناه أي إعراب لفظ الجلالة مبتدأ مخلص من هذا كله قالوا :« و اللّه مرفوع على البدلية من « من » لأنه تعالى لا يحويه مكان ».
و جوز الصفاقسي أن يكون الاستثناء متصلا والظرفية في حقه تعالى مجازية وفيه جمع بين الحقيقة والمجاز في الظرفية وعلى هذا فيرتفع على البدل أو عطف البيان. وقد سبق لنا تقرير الجمع بين الحقيقة والمجاز في كلمة وأرجحنا جواز اجتماعهما وعلى ذلك قولهم « القلم أحد اللسانين » وجميع أهل الأصول من أتباع الإمام الشافعي لا يشترطون في المجاز القرنية المانعة من إرادة المعنى الحقيقي.
و في الجمع بين الحقيقة والمجاز إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر وهو نوع من البديع يسمى التنويع، وهو ادعاء أن مسمّى اللفظ نوعان : متعارف وغير متعارف على طريق التخيل وهو نوع واسع يجري في أبواب كثيرة، منه أن ينزل ما يقع في موقع شي ء بدلا عنه منزلته بدون تشبيه ولا استعارة كقولهم « تحية بينهم ضرب وجيع » وقولهم عقابه السيف.
و قال ابن الكمال : فإن قلت : كيف استثني اللّه وانه تعالى منزه ومتعال عن أن يكون في السموات والأرض؟ قلت كما استثني « غير أن سيوفهم » من قوله أي النابغة الذبياني :
إعراب القرآن وبيانه، ج ٧، ص : ٢٤٧
و لا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
يعني إن كان اللّه تعالى ممن في السموات والأرض كان فيهم من يعلم الغيب، والغرض المبالغة في نفي العلم بالغيب عنهم وسد الطريق الى ذلك الاحتمال، فالاستثناء متصل كما في قوله تعالى :« و لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف » فإن شراح الكشاف قاطبة صرحوا بأن الاستثناء فيه متصل.


الصفحة التالية
Icon