في قوله « و النهار مبصرا » فقد أسند الإبصار الى الزمان وهو لا يعقل ولم يأت بالكلام مقابلا لما قبله وهو « ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه » بل جعله أحدهما علة والثاني حالا لأن التقابل قد روعي من جهة المعنى لأن معنى مبصرا ليبصروا فيه طرق التقلب والمكاسب، وهذا هو النظم المطبوع غير المتكلف.
٢- الاخبار بالماضي عن المستقبل :
و أخبر بالماضي عن المستقبل في قوله « ففزع من في السموات ومن في الأرض » وكان السياق يقضي بأن يأتي بالمستقبل أيضا ولكنه عدل الى الماضي للإشعار بتحقيق الفزع وانه كائن لا محالة لأن الفعل الماضي يدل على وجود الفعل وكونه مقطوعا به.
٣- الطباق :
و في قوله « و ترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب » طباق عجيب بين الجمود والحركة السريعة فجعل ما يبدو لعين الناظر كالجبل في جموده ورسوخه ولكنه سريع يمر مرورا حثيثا كما يمر السحاب وهذا شأن الأجرام العظام المتكاثرة العدد إذا تحركت لا تكاد تتبين حركتها كما قال النابغة في وصف جيش :
بأرعن مثل الطود تحسب أنهم وقوف لحاج والركاب تهملج
إعراب القرآن وبيانه، ج ٧، ص : ٢٦٥
و هذا بيت رائع فالأرعن الجبل العالي وقد استعاره للجيش ثم شبهه بالطود وهو الجبل العظيم ليفيد المبالغة في الكثرة والحاج اسم جمع واحده حاجة والركاب المطي لا واحد له من لفظه والهملجة السير الرهو السريع فارسي معرب وفي الصحاح :« الهملاج من البراذين واحده الهماليج ومشيها الهملجة فارسي معرب » يقول :
حاربنا العدو بجيش عظيم تظنهم واقفين لحاج لكثرتهم والحال أن ركابهم تسرع السير.
و للزمخشري وصف بليغ لهذه الآيات نورده فيما يلي :


الصفحة التالية
Icon