في قوله « فأوقد لي يا هامان على الطين » إطناب بديع وذلك أنه لم يقل اطبخ لي الآجر وذلك ليتفادى ذكر كلمة الآجر لأن تركيبها- على سهولة لفظه- ليس فصيحا وذلك أمر يقرره الذوق وحده، ألا ترى إلى هذه الكلمة وقد وقعت في بيت للنابغة الذبياني من قصيدته الدالية التي أولها :
من آل مية رائح أو مغتدي عجلان ذا زاد وغير مزود
و البيت هو :
أو دمية من مرمر مرفوعة بنيت بآجر يشاد بقرمد
فلفظة آجر في البيت قلقة نابية لابتذالها، فإن شئت أن تعلم شيئا من سر الفصاحة التي تضمنها القرآن فانظر الى هذا الموضع فإنه
إعراب القرآن وبيانه، ج ٧، ص : ٣٣٢
لما جي ء فيه بذكر الآجر لم يذكره بلفظه ولا يلفظ القرمد أيضا لكنه ذكر في القرآن على وجه آخر فعبر عن الآجر بالوقود على الظين، ثم ان هذه العبارة أحسن مطابقة لفصاحة القرآن وعلو طبقته وأشبه بكلام الجبابرة وأمر هامان وهو وزيره ورديفه بالإيقاد على الطين منادى باسمه « يا » في وسط الكلام دليل التعظيم والتجبر وقد اشتملت هذه العبارة على الكثير من ألفاظ الجبابرة العتاة وذلك على الوجه التالي :
١- نادى وزيره بحرف النداء.
٢- توسيط ندائه خلال الأمر وبناء الصرح.
٣- رجاؤه الاطلاع الى اللّه.
٤- الغباء الذي يلازم الجبابرة العتاة إذ يقعون في التناقض من حيث لا يشعرون فقد صرح قبل هنيهة بقوله « ما علمت لكم من إله غيري » فعبر عن نفي المعلوم بنفي العلم وأعلن تصميمه على الجحود ثم ما عتم أن أعلن رجاءه الاطلاع فهل كان مصمما على الجحود أم لم يكن.

فصل في اختيار الألفاظ :



الصفحة التالية
Icon