أخي ما أخي لا فاحش عند بيته ولا ورع عند اللقاء هيوب
و أما الإيماء فكقوله تعالى « فغشيهم من اليم ما غشيهم » فأومأ الى ما غشيهم وترك التفسير وتقدم ذكره بعنوان الإبهام، وقال كثير صاحب عزة :
تجافيت عني حين لا لي حيلة وخلفت ما خلفت بين الجوانح
فقوله « خلفت ما خلفت » إيماء مليح.
و من أنواع الاشارة الرمز كقول أحدهم يصف امرأة قتل زوجها وسبيت :
عقلت لها من زوجها عدد الحصى مع الصبح أو مع جنح كل أصيل
إعراب القرآن وبيانه، ج ٧، ص : ٣٤٢
يريد أني لم أعطها عقلا ولا قودا بزوجها إلا الهم الذي يدعوها الى عدّ الحصى، وأصل العقل أخذ الدية، وعدد الحصى مفعول عقلت وأصله من قول امرئ القيس :
ظللت ردائي فوق رأسي قاعدا أعد الحصى ما تنقضي عبراتي
يريد أنه لما غشي ديار الحي فلم يجد أحدا وضع رداءه فوق رأسه وجلس مفكرا يعد الحصى ودموعه لا ترقأ، ومن مليح الرمز قول أبي نواس يصف كئوسا ممزوجة فيها صور منقوشة وقد تقدم ذكر هذه الأبيات ومنها هنا :
قرارتها كسرى وفي جنباتها مها تدّريها بالقسيّ الفوارس
فللخمر ما زرّت عليه جيوبها وللماء ما دارت عليه القلانس
يقول : ان حدّ الخمر من صور هذه الفوارس التي في الكئوس الى التراقي والنحور وزيد الماء فيها مزاجا فانتهى الشراب الى فوق رءوسها، ويجوز أن يكون انتهاء الحباب الى ذلك الموضع لما مزجت فأزبدت، والأول أملح، وفائدته معرفة حدها صرفا من معرفة حدها ممزوجة وهذا عندهم مما سبق اليه أبو نواس.
إعراب القرآن وبيانه، ج ٧، ص : ٣٤٣
الرمزية في الشعر الحديث :
كان نشوء الرمزية رد فعلّ ضد الواقعية التي أسرفت في التأثر بالعلم والبعد عن الخيال الشعري وكما استطاعت الواقعية أن تزحزح الرومانتيكية عن مكانتها كان نشوء الرمزية إيذانا بتراجع الواقعية لتحل محلها تلك الحركة الجديدة التي احتلت الربع الأخير من القرن التاسع عشر.


الصفحة التالية
Icon