و عبارة الزمخشري في صدد هذا العدد « فإن قلت هلا قيل تسعمائة وخمسين سنة قلت : ما أورده اللّه أحكم لأنه لو قيل كما قلت لجاز أن يتوهم إطلاق هذا العدد على أكثره وهذا التوهم زائل مع مجيئه كذلك، وكأنه قيل تسعمائة وخمسين سنة كاملة وافية العدد إلا أن ذلك أخصر وأعذب لفظا وأملأ بالفائدة. وفيه نكتة أخرى وهي أن القصة مسوقة لذكر ما ابتلي به نوح عليه السلام من أمته وما كابده من طول المصابرة تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وتثبيتا له فكان ذكر رأس العدد الذي لا رأس أكثر منه أوقع وأوصل الى الغرض من استطالة السامع مدة صبره ».
إعراب القرآن وبيانه، ج ٧، ص : ٤١٢
نكتة ثانية في العدد :
و هناك نكتة ثانية وهو انه غاير بين تمييز العددين فقال في الأول « سنة » وقال في الثاني « عاما » لئلا يثقل اللفظ ثم انه خص لفظ العام بالخمسين إيذانا بأن نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما استراح منهم بقي في زمن حسن والعرب تعبر عن الخصب بالعام وعن الجدب بالسنة.
نكتة ثالثة في العدد :
و هناك نكتة ثالثة اكتشفها الرازي قال :« فإن قلت ما الفائدة في مدة لبثه؟ قلت : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يضيق صدره بسبب عدم دخول الكفار في الإسلام فقال له اللّه تعالى : إن نوحا لبث في قومه هذا العدد الكبير ولم يؤمن من قومه إلا القليل فصبر وما ضجر فأنت أولى بالصبر لقلة مدة لبثك وكثرة عدد أمتك ».
الفوائد :
في قوله « و لنحمل خطاياكم » الأصل دخول لام الأمر ولا الناهية على فعل الغائب معلوما ومجهولا وعلى المخاطب والمتكلم المجهولين ويقل دخولها على المتكلم المفرد المعلوم فإن كان المتكلم غيره فدخولهما عليه أهون وأيسر كالآية المتقدمة وقول الشاعر :
إذا ما خرجنا من دمشق فلا نعد لها أبدا ما دام فيها الجراضم
إعراب القرآن وبيانه، ج ٧، ص : ٤١٣
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ١٦ الى ٢٣]