و على هذا يقاس ما ورد من كلامهم كقول بعضهم يصف لقاء مع بني تميم قال :« و لما تلاقينا وبنو تميم أقبلوا نحونا يركضون فرأينا منهم أسودا ثكلا تسابق الأسنة الى الورود، ولا ترتد على أعقابها إذا ارتدت أمثالها من الأسود وتناجد بنو تميم علينا بجملة فلذنا بالفرار واستبقنا الى تولية الإدبار » فإنه إنما قيل « و تناجد بنو تميم » مصرحا باسمهم ولم يقل وتناجدوا كما قيل « أقبلوا » للدلالة على التعجب من إقدامهم عند الحملة وثباتهم عند الصدمة لا سيما وقد أردف ذلك بقوله « لذنا بالفرار، واستبقنا الى تولية الأدبار » كأنه قال : وتناجد أولئك الفرسان المشاهير، والفرسان الكماة المناكير وحملوا علينا حملة واحدة فولينا مدبرين منهزمين.
و لقد أشار الامام الرازي الى هذه النكتة ولكنه أوردها موردا آخر ولذلك ننقل عبارته بنصها :« أبرز اسم اللّه في الآية الأولى عند البدء حيث قال : كيف يبدى ء اللّه الخلق وأضمره عند الإعادة، وفي هذه الآية أضمره عند البدء وأبرزه عند الإعادة حيث قال : ثم اللّه ينشى ء النشأة لأنه في الآية الأولى لم يسبق ذكر اللّه بفعل حتى يسند اليه البدء فقال يبدى ء اللّه ثم قال : ثم يعيده وفي الآية الثانية كان ذكر البدء مسندا الى اللّه تعالى فاكتفى به وأما إظهاره عند الإنشاء ثانيا حيث قال : ثم اللّه ينشى ء النشأة، فليقع في ذهن السامع كمال قدرته
إعراب القرآن وبيانه، ج ٧، ص : ٤١٩
و علمه وإرادته ولم يقل يعيده بل قال ينشى ء للتنبيه على أن البدء يسمى نشأة كالإعادة والتغاير بينهما بالوصف حيث قالوا : نشأة أولى ونشأة ثانية ».
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٢٤ الى ٢٧]