و من غريب ما ينقل في تأثير الغناء : خرج مخارق المغني مع بعض أصحابه الى بعض المتنزّهات فنظر الى فوس مذهبة مع أحد من خرج معه فسأله إياها فكأن المسئول ضنّ بها وسنحت ظباء بالقرب منه فقال لصاحب القوس : أرأيت إن تغنيت صوتا فعطفت عليك خدود هذه الظباء أتدفع إليّ هذه القوس؟ قال نعم، فاندفع يغني :
ماذا تقول الظباء أفرقة أم لقاء؟
أم عهدها بسليمى وفي البيان شفاء
مرت بنا سانحات وقد دنا الإمساء
فما أحارت جوابا وطال فيها الغناء
فعطفت الظباء راجعة إليه حتى وفقت بالقرب منه مستشرفة تنظر اليه مصغية الى صوته فعجب من حضر من رجوعها ووقوفها وناوله الرجل القوس فأخذها وقطع الغناء فعاودت الظباء نفارها ومضت راجعة على سننها.
إعراب القرآن وبيانه، ج ٧، ص : ٤٨٥
قصة المليحة صاحبة الخمار الأسود :
و قصة المليحة صاحبة الخمار الأسود مشهورة وهي من خير ما يتمثّل به ويرويها الاصمعي فيقول :« قدم أعرابي بعدل من خمر العراق فباعها كلها إلا السّود فشكا ذلك الى الدارمي (و هو مسكين الدارمي الشاعر) وكان قد تنسّك وترك الشعر ولزم المسجد فقال :
ما تجعل لي؟ على أن أحتال لك بحيلة حتى تبيعها كلها على حكمك.
قال ما شئت. قال : فعمد الدارمي الى ثياب نسكه فألقاها عنه وعاد الى مثل شأنه الاول وقال شعرا ورفعه الى صديق له من المغنين فغنّى به وكان الشعر :
قل للمليحة في الخمار الأسود ماذا فعلت بناسك متعبّد
قد كان شمر للصلاة ثيابه حتى خطرت له بباب المسجد
ردّي عليه صلاته وصيامه لا تقتليه بحق دين محمد
فشاع هذا الغناء في المدينة وقالوا : قد رجع الدارمي وتعشّق صاحبة الخمار الأسود فلم تبق مليحة في المدينة إلا اشترت خمارا أسود وباع التاجر جميع ما كان معه فجعل اخوان الدارمي من النساك يمرون فيقون : ما صنعت فيقول ستعلمون بعد حين فلما أنفد العراقي جميع ما كان معه رجع الدارمي الى نسكه ولبس ثيابه.