حتى فرغ منها فقال له خلف : لو قلت يا أبا معاذ مكان « إن ذاك النجاح في التبكير » « بكّرا فالنجاح في التبكير » كان أحسن فقال بشار : إنما بنيتها أعرابية وحشية فقلت :« إن ذاك النجاح في التبكير » كما يقول الأعراب البدويون ولو قلت : بكرا في النجاح كان هذا من كلام المولدين ولا يشبه ذاك الكلام ولا يدخل في معنى القصيدة، قال : فقام خلف فقبل بين عينيه. قال عبد القاهر في تعليقه على هذه القصة :« فهل كان هذا القول من خلف والنقد على بشار إلا للطف المعنى في ذلك وخفائه؟ ».
إعراب القرآن وبيانه، ج ٧، ص : ٥٤٧
و مضى عبد القاهر في تحليله لبيت بشار فقال : أما ان الجملة مستأنفة مع إنّ فلأنها غير معطوفة على ما قبلها بالواو وهي واقعة في جواب سؤال مقدر فكأن سائلا سأل : ولما ذا يطلب الى صاحبيه أن يبكرا قبل الهجير فكان الجواب : إن ذلك النجاح في التبكير واما انها تصل جملتها بالجملة السابقة فالدليل عليه أنك لو أسقطت « إن » من الجملة لرأيت الجملة الثانية لا تتصل بالأولى ولا تكون منها بسبيل حتى تجي ء بالفاء فتقول : بكرا صاحبي قبل الهجير فذاك النجاح في التبكير ولعل ذلك هو سر لطفها ودقتها وجزالة التعبير بها وهو سمة البناء الأعرابي الوحشي على عكس ما لو قال : بكرا فالنجاح في التبكير فهو بناء سهل واضح الترابط بالفاء وذلك سمة بناء الجمل عند المولّدين وإذا كانت الفاء تفيد الربط فانها لا تفيد التوكيد الذي تدل على « إن » وهذا البناء الجزل هو الذي جاء في القرآن الى درجة لا يدركها الإحصاء.
و يروي عبد القاهر في دلائل الاعجاز حديث يعقوب بن اسحق الكندي المتفلسف إذ ركب الى أبي العباس وقال له : إني لأجد في كلام العرب حشوا فقال له أبو العباس : في أي موضع وجدت ذلك؟
فقال : أجد العرب يقولون : عبد اللّه قائم ثم يقولون : إن عبد اللّه قائم ثم يقولون : إن عبد اللّه لقائم فالألفاظ متكررة والمعنى واحد.


الصفحة التالية
Icon