فيه من معيشة كان كثير من زوجات المسلمين يظفرن بما هو أنعم منها فعلام يدل هذا؟ لو شاء النبي لأغدق عليهن النعمة ولأغرقهن بتهاويل الزينة وتعاجيب الحلي وأطايب اللذات، وهل هذا الصدوف عن ذلك فعل مستسلم للذات الحسية المتهالك على حب النساء؟ ولما بنى بأولى زوجاته- خديجة- لم تكن لذات الحسن هي التي سيطرت على هذا الزواج ولا الباعثة عليه لأنه نبى بها وهي في نحو الأربعين وهو في نحو الخامسة والعشرين ونيف على الخمسين وأوتي الفتح المبين وليس له من زوجة غيرها ولم تبدر عنه أية رغبة في الزواج بأخرى.
قالت له عائشة مرة : هل كانت خديجة إلا عجوزا بدّلك اللّه خيرا منها فقال لها مغضبا : لا واللّه ما أبدلني اللّه خيرا منها : آمنت بي إذ كفر الناس وصدقت إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني اللّه منها الولد دون غيرها من النساء.
و لو كانت لذات الحسن هي التي سيطرت على زواج النبي بعد بعد وفاة خديجة لكان الأحجى بإرضاء هذه اللذات أن يجمع إليه تسعا من الفتيات الأبكار اللائي اشتهرن بفتنة الجمال في مكة والمدينة وشبه الجزيرة العربية فيسرعن إليه راضيات فخورات وأولياء أمورهن أرضى منهن وأفخر بهذه المصاهرة التي لا تسمو إليها مصاهرة، بيد أن محمدا لم يتزوج بكرا قط غير عائشة ولم يكن زواجه بها مقصودا في بداية الأمر حتى رغبته فيه خولة بنت حكيم التي عرضت عليه الزواج بعد وفاة خديجة.
قالت عائشة : لما توفيت خديجة قالت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون للنبي : أي رسول اللّه ألا تتزوج؟ قال : من؟
إعراب القرآن وبيانه، ج ٨، ص : ١٣
قالت : إن شئت بكرا وإن شئت ثيبا قال : فمن البكر؟ قالت : بنت أحبّ الناس إليك عائشة بنت أبي بكر قال : فمن الثيب؟ قالت :
سودة بنت زمعة آمنت بك واتبعتك.